المسرى :
تقرير : بشير علي
أصدرت الحكومة الإتحادية مؤخرًا ورقة بيضاء تفصّل فيها الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي ترمي إلى انتشال البلاد من مشاكله الاقتصادية الحالية.
وتقترح الورقة البيضاء للإصلاحات الاقتصادية التي وضعتها خلية الطوارئ للإصلاحات المالية والاقتصادية، المشكّلة في أيار/مايو من أجل إدارة إصلاحات البلاد الاقتصادية عمومًا إصلاحات تتماشى مع متطلبات “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” للدول النامية. وفي حين يوافق الخبراء على أن هذه التدابير القاسية ضرورية، سيكون من الصعب تطبيقها وستواجه على الأرجح اعتراضًا من الشعب العراقي.
ومن خلال إصدارها الورقة البيضاء، قامت الحكومة العراقية الحالية بخطوة جديدة وغير اعتيادية في تاريخ البلاد السياسي. فنصف المستند المفصل المؤلف من 96 صفحة هو تشخيص لمشاكل العراق الاقتصادية وجذورها. وكما غرّد نائب رئيس الوزراء ووزير المالية العراقي علي علاوي في 18 تشرين الأول/أكتوبر “ورقة الإصلاح شخصت برؤية علمية وموضوعية المشاكل الاقتصادية والمالية التي تشكّل تحديات حقيقية يمكن التغلب عليها بأسلوب التخطيط الاستراتيجي المبني على التحليل الموضوعي للواقع واستخلاص الأهداف الاستراتيجية كأولويات ملحة.
ومن خلال تفصيل جذور هذه الأزمات الاقتصادية والمالية، تعيد الورقة البيضاء الأزمة الحالية التي تعصف بالبلاد إلى سبعينيات القرن الماضي. فيصف التقرير كيف عوّلت الدولة لنصف قرن من الزمن على إيرادات البلاد النفطية المتزايدة فقط من أجل “توسيع القطاع العام” و”السيطرة بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد”. موجّه ودولة ريعية ونظام طائفي حاكم ودرجة عالية من تدخل الدولة في مفاصل البلاد.
ويحتوي المحور الأول لورقة الإصلاح، على مقترحات لتخفيض الرواتب الحكومية بنسب تتراوح من 12-25 بالمئة، ورفع الدعم الحكومي عن بعض القطاعات، وإيقاف تمويل صندوق التقاعد من الموازنة، وتخفيض الدعم الحكومي للشركات العامة، واستيفاء أجور الكهرباء “وفق التسعيرة العالمية” وزيادة أجور الكمارك والضرائب.
حكم مختصون في الاقتصاد بالفشل على الورقة قبل ولادتها كونها تستهدف شريحة الموظفين ومن هم أدنى، إضافة لحاجتها لأرضية مناسبة وبيئة ملائمة عكس الوضع الحالي في العراق ولفترة أطول من التي حددت بـ 3 إلى 5 سنوات لتنفيذها.
وما يعيب الاقتصاد العراقي منذ عقود أنه مشوه ولا يتخذ نظاما معينا لإدارة نفسه، ولا يعرف هل هو نظام اشتراكي أو رأسمالي أو له اتجاه آخر، على عكس الورقة البيضاء التي جاءت وفق السياسات الاقتصادية الحديثة بما تتلاءم مع رؤية صندوق النقد والبنك الدوليين.
وقالت خبيرة الاقتصاد والمستشارة الحكومية السابقة سلام سميسم، إن الفساد يعرقل تطبيق الورقة، مضيفة “كيف يمكن أن تطبق سياسة لرفع الضرائب بدون أن يتم القضاء على الفساد وكيف سيطبق موظف ضريبة فاسد مثلا إجراءات الحكومة لرفع الضرائب؟”، وكيف ستتابع الحكومة موضوع ازدواج الرواتب الذي يضمن للبعض استلام أربع وخمس رواتب في وقت واحد؟”.
وبينت أن “المتضرر الذي سيدفع ثمن هذه الإصلاحات هو مواطن الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة ، فيما أكد الخبير في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن الحكومة القادمة مطالبة بأعداد برامج تفصيلية لتحقيق أهداف الورقة البيضاء خاصة ما يرتبط بالتنويع الاقتصادي لتحرير الاقتصاد العراقي من التبعية لدول الجوار.
وقال قصي في تصريح صحفي إن” في ظل تنامي الحاجة لخلق بيئة استثمارية جاذبة ، اصبح من واجب الحكومة القادمة اعادة هيكلة معظم الوزارات لكي تستثمر الطاقات غير المستغلة في تلك الوزارات وتدعم القطاع الخاص النظامي ليكون شريكا في عملية اعادة التأهيل.
واضاف ” ان التحكم بسعر الصرف الذكي لدعم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المنتجة يمكن أن يدخل في برنامج الحكومة القادمة للسيطرة على الاسعار وتقليل نسب الفقر ووفقا لبرنامج حكومي شفاف وتحت أنظار الجهات الرقابية “، مشيرا الى :” ان عملية الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقضائي لبناء دولة ، تحتاج الى التكامل بين السلطات وتتطلب استثمار الموارد البشرية المؤهلة لصنع التغيير في ظل تحديات يمكن تجاوزها عند وضع هؤلاء في أماكنهم التي يستحقونها.
وتابع الخبير الاقتصادي :ان” العراقيين يتطلعون حاليا إلى فرص النجاح التي ستقدمها الحكومة القادمة وفق جدول كمي وتوقيت زمني واضح يتضمن تغييرا حقيقيا لكل مفاصل الحياة وبأقرب وقت ممكن.
واعلن رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الخميس، أن الحكومة نجحت في توفير أكثر من 12 مليار دولار من احتياطي البنك المركزي العراقي
وقال الكاظمي، أن “الورقة البيضاء للإصلاح أحد هذه المنجزات، حيث قدمت الكثير من العوائد المالية للدولة، ورغم محاولات البعض التشويش بشأنها، لكنها لاقت استحسان الكثير من القطاعات الوطنية في الصناعة والزراعة وفي تعظيم إيرادات الدولة والاحتياطي النقدي.
وتابع: “نتيجة للورقة البيضاء، وعلى الرغم من الظروف الصعبة وجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، وكنّا على حافة انهيار النظام السياسي والاجتماعي، لكننا نجحنا في توفير أكثر من 12 مليار دولار من احتياطي البنك المركزي العراقي، ورفع التصنيف العالمي الائتماني للعراق دوليا.