المسرى :
تقرير : بشير علي
لا احد يعرف متى زرع أول لغم في العراق. لكن الأحداث والحروب التي مر بها، جعلته يضم الملايين من الالغام المزروعة، والمسكونة بموت مؤجل خلّفته وراءها حروب منتهية.
في البصرة وتحديداً في أبي الخصيب، أحد اقضيتها سميت قرية بـ”البتران”، لكثرة ما تضم بين أهليها من ضحايا ألغام الحرب العراقية – الايرانية، بخاصة أن ابو الخصيب كانت ساحة من ساحات الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988).
أربعة ألغام لكل مواطن
لم تجن مدن جنوبي البلاد في مقدمتها البصرة المشهورة من الجغرافية العسكرية، سوى تحولها إلى كبرى مزارع حقول الألغام في العالم. إذ شكل هذا اللسان مصدا لثلاثة حروب كبيرة، شهدتها البلاد في العقود الثلاثة الماضية، بعد أن غرست فيها الجيوش المتحاربة 30 % من 25 مليون لغم منتشرة في أرجاء البلاد، على ما تؤكد وزيرة البيئة السابقة نرمين عثمان. ما يعني أن كل بصري مهدد بأربعة ألغام، منها ما حصد أعداداً كبيرة بالموت، ومنها ما تسبب بإعاقة أشخاص وبتر احد أطرافهم أو أكثر.
أبناء القرى والمدن الحدودية ممن عادوا إلى قراهم ومدنهم بعد انتهاء الحروب، وكذلك الرعاة من سكان البادية الجنوبية، وبينهم نساء وأطفال. هذه الفئة ما تزال مهددة بالموت او الإعاقة في أية لحظة، لأن حقول الألغام ليست معروفة وتتحرك بفعل الطبيعة، كما أن ازالتها صعبة ومعقدة.
وبسبب غياب البيانات الرسمية، لم يتسن لنا الحصول على عدد الضحايا والمعاقين نتيجة الألغام في كل من الشرائح الأربع.
غياب البيانات أخطر المعوقات
يقول اللواء المتقاعد فيصل حامد كزار والذي عمل مع احد المنظمات لازالت الالغام يقول للمسرى: “إن المنظمة، أجرت مسحا ميدانيا شاملا استمر اكثر من سنة في محافظات: البصرة والعمارة والناصرية والسماوة، وكشفت عن حقول ألغام وقنابل غير منفلقة في 2057 منطقة، ألحقت 80 % منها أضرارا جسيمة بالسكان، منها 96 قرية تنتشر فيها مخلفات الحروب بشكل خطر، و178 قرية غير صالحة للسكن في الوقت الحاضر من مجموع 622 قرية تنتشر فيها حقول الألغام وعلى مساحة 177 كيلو مترا مربعا”.
أكثر المناطق كثافة بالألغام في البصرة، هي “أبو الخصيب والفاو والمدينة والبرجسية والرميلة والشلامجة والبادية الجنوبية وسفوان، وتحديد 13 قرية في قضاء شط العرب كونها من اكثر الحقول خطورة”، على ما يضيف.
ولا تعني مفردة “خطورة” هنا، احتمالات انفجار الألغام بالمواطنين حسب، وإنما بفرق ازالتها ايضاً، التي ينبغي عليها توخي الدقة والحذر والتعامل مع مجهولين يتمثلان بالزمان والمكان.
الحدود مع الكويت والسعودية مشحونة بالألغام
وبشأن الحدود مع الكويت والسعودية، قال الخبير الامني محمد الشمري في حديث للمسرى، إن” “عشرات الكيلومترات على الحدود مع هذين البلدين، زرعت ألغاما بأطوال مختلفة في الاراضي العراقية، وحتى في بعض المناطق النفطية مثل الرميلة الجنوبية، زرع حقل للألغام بطول 17 كيلومترا”.
الألغام قتلت اعدادا لا تحصى من المواطنين، وأصابت ما يقارب المليون بإعاقات دائمة وبتر اطراف وعجز كلي حسب دراسات لوزارة الصحة بالتعاون مع منظمة المعاقين الدولية. كذلك تسببت بإعاقة تنمية الاقتصاد، او فتح شوارع ومد سكك حديد. وتتجسد خطورتها بأنها تحتاج الى رقم فلكي من الخبراء والشركات للتخلص من شرها، حسب وزارة البيئة.
وفي تصريح لوكيل وزارة البيئة ومدير دائرة شؤون الألغام حسين لطيف، اتضح احجام المصاعب والخطورة مبينا انه لن نتمكن من تحقيق ازالة الألغام، لاننا إذا أردنا إزالتها جميعهافي السنوات المقبلة، فسنحتاج لمئات الشركات المتخصصة و19,000 خبير إزالة ألغام، اذا سار العمل من دون معوقات”
شركات تعمل حاليا في البصرة على ازالة الألغام من مجموع 9 شركات عاملة في مدن عراقية. لا يعرف احد ما انجزته عقب نحو سنة على شروعها بالعمل، لأنها جميعاً تعمل بحذر عال، خشية الجماعات المسلحة التي تحظر التعامل مع الاجانب واعتبارهم جزءًا من الاحتلال، بخاصة أن تلك الجماعات سبق لها أن اغتالت مهندسين وفنيين ومترجمين عملوا مع جيوش والشركات العالمية.