المسرى
تقرير : هناء رياض
ينظر لهم نظرة دونية , ويتم معاملتهم كمنبوذين في المجتمع , ويعتقد انهم يمتهنون الدعارة ويجيدون قراءة الطالع لكسب عيشهم , ويتخوف منهم عامة الناس ويظنون بهم الظنون السيئة .. انهم غجر العراق.
ولا يتعدى عددهم اليوم الخمسين ألفاً بعد أن كانوا 200 ألف عام 2000. ومثل بقية الغجر حول العالم، يشكو غجر العراق التهميش والتمييز والوصم، ولم يحظون بالاعتراف الحكومي الا قبل فترة وجيزة حين اجازت لهم الحكومة العراقية استحصال بطاقة الهوية بعد عقود من التحقير وعدم الاعتراف بهم كمكون عراقي.
عُرف عن الغجر أنهم مجموعات من البدو الرحل، يتنقلون من بلاد إلى بلاد، لا موطن لهم وكثيراً ما صُوروا في المخيال الشعبي أنهم يعيشون في عربات متنقلة (كارافانات) ويمتهنون الرقص والغناء.
ولكن من أي جذور ينحدرون ومن أين أتوا؟ كيف ظلمهم التاريخ وخانتهم الجغرافيا؟ وما مطالبهم اليوم؟
عددهم وأصولهم
الغجر في العراق أقلية مُسلمة تعود جذورها إلى شبه الجزيرة الهندية، بحسب عدة مصادر،
ويقدر عددهم اليوم بنحو 50 ألفاً، ينتشرون في محافظات الديوانية و بغداد والبصرة وكربلاء والموصل وديالى وصلاح الدين. معظم الغجر العراقيين مرجعيتهم الدينية شيعية الا إن بعض غجر الموصل وديالى هم من السُنّة.
قبل عام 2000 كان عدد الغجر في العراق يناهز 200 ألف، وكان للغزو في عام 2003 أثر مباشر على تراجعهم إلى الربع. فما الذي حدث؟
بحسب عالم الغجريات العراقي لطفي الخوري تعود مفردة ( غجر ) إلى لفظ تركي يأتي من كلمة “كوجر” وتعني “الرُحل”.
رحلة التهجير
ساهمت الصور النمطية عن الغجر وتصويرهم أنهم محترفو رقص وغناء وتنجيم في تعرضهم للاضطهاد على مر العصور،وبعد 2003، وبأنتشار الجماعات المسلحة المتطرفة التي فرضت قوانينها على السكان في كل مكان تقريباً، كان الغجر من بين اكثر ضحايا هذه المجموعات.
وقد تعرضوا عام 2004 لهجوم مُسلّح في قرية الزهور (قرية الفوار سابقاً) بمحافظة الديوانية دفعتهم إلى الفرار.
لا ينفي غجر العراق انهم عملوا عقوداً في الرقص والغناء لكنهم كانوا يحترفون الحدادة بشكل أساسي. أما الرقص والغناء فكانا جزءاً من تراثهم. فحرفة الحدادة كانت أول حرفة يزاولها الغجر، كانوا يختصون في صناعة السكاكين والخناجر والسلاح كذلك”.
أما بخصوص الرقص والغناء اللذين لا يزالان يتربطان بالغجر في كل مكان من العالم فقد تطورت مهارات الغجر عام 1970 لتشمل الغناء والرقص في العراق.
الفترة الذهبية لغجر العراق
كانت ثمانينات القرن المنصرم هي الفترة الذهبية لغجر العراق , حيث استقروا بعد أن منحتهم الدولة الجنسية العراقية، وبنت لهم المجمعات السكنية سعياً لمشاركتهم في بناء المجتمع وانخراطهم فيه وفي مؤسساته العسكرية.
واستطاع بعضهم اكمال دراستهم ونيل شهادات علمية في عدة اختصاصات إلا أن “منتصف فترة التسعينات شهدت اعتداءات كثيرة على الغجر، بفمع إعلان النظام العراقي السابق “الحملة الإيمانية” لم يعد يسمح بإحياء الحفلات، فأغلقت النوادي الليلية، وتم ملاحقة دور البغاء ومعاقبة العاملات فيها بالحبس والقتل.
ولم يمر عقد التسعينيات حتّى جرّت الألفية الجديدة الويلات على الغجر، إذ أدى احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة إلى صعود مدّ التطرّف مسبوقاً بتسلّم أحزاب طائفية السلطة، وهذا ما دفع إلى تهجير الغجر من مناطقهم إلى أرياف أخرى متهالكة، حيث بنوا منازل من طين لا يصلها ماء أو طاقة كهربائية، وفي محافظات وسط البلاد أدّى هجوم الميليشيات المسلحة إلى هدم منازلهم في محافظة الديوانية.
على إثر ذلك لم يعد الغجري في العراق مقبولاً للعمل في القطاع العام أو الخاص، وهذا ما أجبر النساء والأطفال على التسول في الشوارع والأسواق لكسب لقمة العيش.
ورغم أن الدستور العراقي يكفل في أكثر من 38 مادة حرية المواطن ومُمارسة شعائره وطقوسه، ظل الغجر يتعرضون لهجمات منظمة من قبل الميليشيات التابعة للأحزاب، كما تعرضوا إلى هجمات من بعض أبناء العشائر، مما اضطرهم إلى الاختباء في المدن الكبيرة جاهدين في إخفاء هويتهم الحقيقية، أو الهجرة إلى بلدان مجاورة للعراق مثل الأردن وتركيا.
النائب العراقي صائب خضر وهو ممثل الطائفة الأيزيدية في العراق وفي تصريح صحفي قال : لم يكن للغجر تحت نظام صدام حسين جنسية، وفي الحرب العراقية الإيرانية مُنحوا الجنسية العراقية لا احتراماً لحقوق الإنسان بل لغرض آخر: الزج بأبنائهم في صفوف الجيش، للمشاركة في الحرب الدائرة آنذاك”.
ويقول النائب خضر إن منح الغجر هوية وطنية اليوم“هو قرار منصف فهذا حق من حقوق الإنسان والجنسية حق سياسي قانوني يمنح للمواطنين وطالما كان الغجر مواطنين على أرض العراق ولا يوجد ما يثبت خلاف انتمائهم لغير العراق فبالتالي من باب أولى أن تمنحهم الدولة الجنسية”.
على الغجر الانتقال لمرحلة تحمل المسؤولية
ويرى ذوي الشأن أن الغجر أنفسهم لا يزالون مستمرين بلعب دور الضحية”. فرغم الدور الأمريكي في مُحاولة تحسين المستوى الصحي والتعليمي لهم، إلا أن أهالي القرية أنفسهم لم يحاولوا الارتقاء بما لديهم رغم توفر هامش أمني وحرية نسبية في ذلك الوقت، مؤكدين أن أهالي القرية بقوا في انتظار المساعدات ولم يعتمدوا على أنفسهم. كما يمكن ملاحظة عدم اهتمام الاهل بنظافة اطفالهم الذين يظهرون غالباً عراة أو نصف عراة وحفاة، يقضون حاجاتهم أينما اتفق رغم وجود المرافق الصحية البائسة. كما ان أهالي القرية لا يقومون برمي الفضلات في أماكن مُحددة أو تجميعها بعيداً عن مصادر المياه أو إحراقها بعيداً عن القرية، وهذا ما دعا بعض المنظمات المجتمعية بمطالبة الاهالي بالبدء بتحمل مسؤولية انفسهم والانتقال من مرحلة المظلومية الى مرحلة الاعتماد على الذات.