المسرى :
تقرير : هناء رياض
يحتفل الملايين من الأكراد والفرس والبشتون والآذريين وغيرهم في 21 آذار/مارس من كل عام بعيد نوروز التي تعني باللغتين الفارسية والكردية “اليوم الجديد”، ويعتبر عيد رأس السنة لدى هذه الأقوام.
ويعتبر نوروز، العيد الوحيد الذي تحتفي به قوميات وأديان وشعوب مختلفة عبر القارات. وهو عطلة رسمية في كثير من البلدان مثل إيران والعراق و قرغيزستان وأذربيجان، كما يُحتفل به في تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وولاية كوجارات الهندية وشمال غرب الصين.
أصل العيد ومعانيه وطقوسه لدى الشعوب المحتفلة به
ومعظم المحتفين بنوروز، يعدونه عيداً دينياً أو ثقافياً منذ مئات السنين، لكنه أخذ طابعاً قومياً عند الأكراد وخاصة في العصر الحديث إذ بات حدثاً سنوياً يؤكد من خلاله الأكراد على هويتهم ومطالبهم وحقوقهم القومية والسياسية في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا.
ويرجع أصل عيد النوروز إلى تقاليد ديانة الزرادشتية لكن الاحتفال بهذا العيد بقي حتى بعد الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس وأستمر إلى يومنا هذا. انتقل عيد النوروز بين الشعوب والثقافات عبر طريق الحرير، ويعتبر عطلة رسمية في إيران وأذربيجان، والعراق وقرغيزستان.
وتحكي النقوش الأثرية والأدب الإيراني عامة عن احتفال الساسانيون، وهم من حكموا بلاد فارس قبل الإسلام، بيوم النوروز، حيث كان قد وضع تقويمها على أساس الحسابات التي أجراها الكهنة البابليّون والمجوس الإيرانيّون المقيمون في بابل عن طريق رصد النجوم، غير أن يوم النوروز لم يكن ثابت في ذلك الزمان حيث لم يراعى أصول الكبيسة وحدوث الاختلاطات.
اليونسكو ادرجت النوروز في قائمة التراث الثقافي عام 2010
يحتفل الأكراد بهذا العيد، ويعدّونه عيداً قوميّاً، ويروون أنه اليوم الذي انتفض فيه الأكراد تحت راية كاوه الحدّاد ضدّ الملك الضحّاك. ويضيف الأكراد اليوم بعض المظاهر السياسية للنوروز للتأكيد على هويتهم الذاتية وتسليط الضوء على تاريخهم.
حسب اليونسكو، يحتفل اليوم ما يقرب من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالنوروز. ومن مراسم النوروز تجهيز مائدة خاصة تسمى «سفره ى هفت سين» أي سفرة السينات السبع، التي تحتوي على سبعة أشياء تبدأ بحرف السين. ومن العادات الاخرى ظهور الحاج فيروز في الشوارع، ويرتدي في العادة لباسا أحمر ويصبغ وجهه بلون أسود، وبعدها يقوم بإنشاد قصائد شعبية.
وفي جلسة في شباط 2010 م، قررت اليونسكو إدراج عيد النوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 آذار
وتحتفل الشعوب “الآرية” أو الشعوب التي شكلت في وقت من الأوقات جزء من الإمبراطورية الفارسية بيوم نوروز بشكل متشابه تقريبا، إذ تشعل النيران ويرتدي الرجال والنساء والأطفال ملابس زاهية، احتفالا بقدوم الربيع وانتهاء فصل طويل من الشتاء في تلك المناطق.
قصة العيد في الثقافات الكردية والفارسية
وبحسب المؤرخ الكردي، سردار ناصر، فإن قصة النوروز الكردية تشير إلى الانتصار على الظلم، حيث تقول الأسطورة إن “كاوة الحداد” قام بثورة على الملك الظالم “الضحاك” الذي كان “يأكل الأطفال” من خلال اثنين من الأفاعي ربطتا على كتفه، قبل أن يعمد كاوة إلى إشعال ثورة استعان فيها بأطفال أنقذهم من الموت وقدم لهم التدريب في جبل كانوا يحتمون به.
ويقول ناصر إن الأسطورة تشير إلى بناء كاوه “نارا عظيمة” فوق الجبل ليخبر القرى المجاورة لقريته عن الثورة التي أشعلها، وكان هذا في يوم الحادي والعشرين من مارس.
ووفقا للمؤرخ ناصر فإن “الرمزية واضحة في القصة التي تشير إلى ما يبدو أنه حكم عسكري لوال ظالم استدعى ثورة شعبية للإطاحة به”، مضيفا أن “العيد هو أهم الأعياد الكردية في العام”.
وفيما يمتلك النوروز رمزية ثورية بالنسبة للكرد، تشير القصة الفارسية له إلى رمزية “الإمبراطورية والتوسع” بحسب المؤرخ ناصر.
يقول ناصر إن “إحدى القصص الفارسية التي تشير إلى أصل النوروز هي أن الملك جمشيد قام باعتلاء عرشه في أذربيجان، فسطعت الشمس وأشرق نور التاج والعرش على الناس المتجمهرين الذين قالوا إن هذا يوم جديد، فأصبح اسم العيد ني روز، أو نه روز، الذي يحمل هذا المعنى”.
كما أن مؤرخين أرجعوا أصل الاحتفال بالنوروز إلى السومريين أو البابليين في العراق، الذين كانوا يحتفلون بسنتهم الجديدة في الأول من أبريل، باعتباره تاريخ عودة الإله “تموز” من بين الأموات وبثه الحياة والخضرة في الأرض.
الغلاء المعيشي لم يمنع اكراد العراق من التهيأة لأحتفالات نوروز
ولم يكن الاحتفال بالعيد سلسا دائما، فقد منعت الأنظمة في سوريا والعراق وتركيا الاحتفال بالعيد لفترات من الزمن بسبب المخاوف من تأجيج الروح القومية الكردية، واستعاضت سوريا والعراق بتسمية “أعياد الربيع” أو “عيد الشجرة” عن تسمية نوروز حينما سمحت السلطات أخيرا بالاحتفال بهذه الأعياد.
وبينما يحتفل الأكراد العراقيون بأعياد النوروز فأنهم يرفعون ايديهم بالابتهال لأن تكون سنتهم الجديدة افضل حالاً من سابقتها في ظل ظروف اقتصادية عصفت بالاقليم وضاقت معها سبل العيش الرغيد.