منحة بأموال هندية كانت السبب في شق المياه عبر الفرات بغرض ايصالها للنجف .. حيث كانت البداية في عام 1793 (في فترة حكم الدولة العثمانية) حين زار النجف المهراجا (آصف الدولة محمد يحيى ميرزا) وهو وزير ملك الهند (محمد شاه الهندي) جالباً معه أموال خيرية للتبرع بها على خدمة الناس .
وحين رأى شحة مياه الشرب، حيث كان أهالي النجف يحفرون الآبار فيجدون مائها أجاجاً عسراً غير صالح للشرب، خطرت فكرة لآصف الدولة في أن يحفر قناة مائية من نهر الفرات وإيصالها إلى النجف فقام بتمويل هذا المشروع وبدأ به من جنوب مدينة المسيب لكنه لم يستطع إيصاله إلى النجف بسبب إرتفاع المدينة فأوصله إلى الكوفة وبدأ الماء يسري في هذه القناة الجديدة بشكل منتظم ابتداء من سنة 1800 وأصبح الناس يسمونها “شط الهندية” نسبة لتلك المنحة الهندية.
بعد لائحة التراث العالمي مساعي لأعتبار السدة مركزاً سياحياً
هكذا كانت بداية مجرى النهر مع سدة الهندية التي تقع على نهر الفرات جنوب مدينة المسيب ضمن محافظة بابل والتي تمتد يبلغ طولها 115 متر مكونة من ست بوابات بعرض 16 متر لكل بوابة اضافة الى المحطة الكهرومائية البالغ طولها 60و79 متر وهويس الملاحة بعرض 20 متر وبذلك يكون الطول الكلي للسدة 60و214 متر.
اليوم وبعد ان تم أدراج سدة الهندية على لائحة التراث العالمي للري، فأن السدة تعاني اهمالاً حكومياً واضحاً عوضاً عن مشكلة شحة المياه من التخصيصات المتوفرة لديها بسبب تقليص حصة العراق المائية من دول الجوار ..
وبتوجيه من الكاظمي بتولي وزارة الموارد المائية/ الهيئة العامة للسدود والخزانات، تأهيل موقع سدة الهندية القديمة في محافظة بابل، لأهمية إبراز هذا المعلم للمجتمع الدولي إبرازاً لائقاً
وفي نهاية تشرين الثاني من عام 2021 اعلن أثناء انعقاد اجتماعات المجلس التنفيذي الثاني والسبعين للجنة الدولية للري والبزل (ICID) في مدينة مراكش المغربية، عن ادراج كل من سدة الهندية القديمة في محافظة بابل، ونواعير قضاء هيت في محافظة الأنبار، في سجل التراث العالمي للري.
وجاءت توجيهات الكاظمي عقب انعقاد مؤتمر بغداد الدولي الثاني للمياه الذي عقد في بغداد من 5-7 آذار 2022، وتحت شعار (المياه والتغيرات المناخية)،
حيث اجرى وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني ووزير الموارد المائية للجمهورية السورية تمام رعد، ووكيل وزارة الموارد المائية الأردني جهاد صالح عبد الرحمن، والوفود المشاركة في المؤتمر جولة علمية ميداينة في سدة الهندية الجديدة والقديمة؛ لغرض الإطلاع على الأعمال الجارية فيهما”.
وأكد الحمداني أن “زيارة سدة الهندية مع الوفود المشاركة في المؤتمر تأتي لإطلاعهم على تاريخ الري في العراق وأن سدة الهندية التي أنشأت قبل أكثر من مئة عام في سنة 1913 تعكس تاريخ العراق في مجال الإرواء وتنظيم توزيعات المياه في ذلك الوقت وأن الهدف الأساس من عقد المؤتمر وإجراء هذه الجولة هي لتحويل أنظار العالم والمنظمات إلى العراق، وأن الوزارة وبدعم مباشر من الحكومة العراقية ممثلة برئيس مجلس الوزراء، تمكنت من إدراج سدة الهندية القديمة في محافظة بابل ونواعير هيت في محافظة الأنبار على لائحة التراث العالمي للري؛ من أجل كسب التأييد العالمي بجانب العراق”.
بناء على تهديم الحضارة بالديناميت
ويعود تأريخ انشاء السدة الى عام 1885 حين جف شط الحلة تمامًا وأهتمت أسطنبول بالأمر «حيث لازال العراق ولاية تابعة للعثمانيين» فأستدعت من فرنسا مهندسا معروفا أسمه (مسيو شونديرفر) وهو يهودي متعصب ووصل هذا إلى بغداد في خريف 1889 وأخذ يتجول دارساً مجرى الفرات وقام أخيرا ببناء سدة عرضها ياردتان على شكل جناحين مائلين مع فتحة في الوسط طولها سبعة عشر قدماً وقد حشد لبناء هذه السدة الكثير من أبناء العشائر وسكان المنطقة. وقد قام هذا المهندس اليهودي بفعل جريمة بحق تأريخ وآثار العراق وهي إن الطابوق الذي بنيت به السدة الأولى أستخرج كله من (آثار مدينة بابل) وأستخدم (الديناميت) من أجل ذلك حيث كان يوضع في جدران قصور (نبوخذنصر) لنسفها وأستخلاص الطابوق منها. وتخليداً لذكرى بناء السدة شيدت (منارة السدة) قريبة من جناحها الأيسر كتب عليها تأريخ الأنتهاء من البناء مع تمجيد (للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني) ولاتزال المنارة قائمة حتى الآن في المنطقة المعروفة محلياً بمنطقة القوالب تقع أمام مدرسة السدة الإبتدائية للبنين. كما ورد على رخام هذا الشاخص التاريخي ما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم.. لما تحول نهر الفرات عن مجراه وعدل إلى غير جهته كما نراه بإنشاء هذا السد السديد المحكم وشق هذا الخليج على الوجه الأتم من كان أمره مطاع جاز على وجه الأرض جريان الماء في الفرات عديم الخيرات سيد السادات سلاطين مولانا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين فخر سلاطين آل عثمان الغازي عبد الحميد خان بن سلطان الغازي عبد الحميد خان كان الله متكفلاً بنصره وقرن التوفيق بمطاع أمره لإحياء الأرض بعد موتها وهي أرض الحلة الفيحاء وما يليها من الأنحاء وقد وافق الفراغ من ذلك في السنة الثامنة بعد الثلاثمائة وألف وصلوات الله وسلامه على محمد وآله وصحبه والطيبين وأولى الشرف 1380هـ.
وفي عام 1890 جرى أحتفال بأفتتاح السدة وحضره الوالي (سري باشا) ومعه (عبد الرحمن الگيلاني) و(رفعت أفندي الجادرچي) وغيرهما من أعيان بغداد وكربلاء والحلة. وقد تصدعت السدة الأولى في عام 1903.
بناء سدة الهندية الثانية (السدة القديمة)
أن السدة التي بناها المهندس الفرنسي (شونديرفر) عام 1890 على نهر الفرات أخذت تتهدم بمرور الأيام حتى إذ حل عام 1905 أصبحت الحالة في شط الحلة أشد مما كانت عليه قبل أنشاء السدة وأنقطعت المياه في موسم صيهود (موسم إنخفاض المياه في نهري دجلة والفرات في موسم الصيف لإرتفاع درجات الحرارة) عن أراضي الحلة والديوانية والدغارة. وقام على أثر ذلك أهالي مدينة الحلة وفي مقدمتهم (العلامة السيد محمد القزويني) بمطالبة الوالي العثماني في بغداد لإحياء الشط ببيت من الشعر جاء فيه:-
قل لوالي الأمر قد مات الفرات وغدت عنه أهاليه شتات
أفترضى أن يموتوا عطشاً وبكفيك جرى ماء الحياة
ولذلك حدثت في هذه الفترة هجرة العشائر العربية من تلك المناطق المنكوبة إلى منطقة سدة الهندية وطويريج كونهم فلاحين وحياتهم تعتمد على الماء والزراعة.
وفي عام 1908 وصل المهندس البريطاني السير (ويليام ويلكوكس) إلى بغداد حيث عينته الحكومة العثمانية مستشاراً للري في العراق. وبعد دراسة الوضع إقترح بناء سدة محكمة من الكونكريت المسلح على بعد 800 متر من شمال سدة شونديرفر. وعهدت ببناء السدة إلى (شركة جاكسون) البريطانية وباشرت الشركة العمل
في عام 1911. حيث بنيت السدة على اليابسة في الجهة الشرقية من مجرى النهر وأُستخدم فيها زهاء 3500 عامل عراقي، إستغرق العمل فيها نحو سنتين وتسعة أشهر ويبلغ طولها 250 متراً وعرضها 4 أمتار، وتحتوي على 36 بوابة حديدية كان يتدفق منها الماء على هيئة شلالات، وجرى العمل فيها بدقة عجيبة ويعود الفضل بذلك للشركة والمهندس في بنائها بتلك الضخامة في وضع أداري متفسخ. بلغت تكاليف السدة ربع مليون ليرة عثمانية (مايعادل 925000 ألف دولار بذلك الوقت) وهذا مبلغ زهيد ويمكن أن نعزو ذلك إلى رخص أجور اليد العاملة من جهة وإلى نزاهة المشرفين على العمل من جهة أخرى.
وفي عام 1913 جرى الإحتفال بأفتتاح السدة وحضر الأفتتاح القناصل وكبار الموظفين والأعيان كما حضره الوالي بالوكالة (محمد فاضل باشا الداغستاني) وكان حفلاً مهيباً. ثم سار الجميع إلى سد التراب الذي أقيم لمنع الماء من الجريان فتلي دعاء وذبحت الذبائح، ثم أمسك الداغستاني مسحاة أزال بها شيئا من التراب وأندفع من بعده عشرون عاملا فأزالوا سد التراب كله في خمس دقائق وتدفقت المياه نحو السدة. وأستمرت هذه السدة بالعمل بكل كفاءة حتى عام 1989 حيث أنها أُهملت بعد إنشاء السدة الجديدة الثالثة (السدة الصينية).
بناء سدة الهندية الثالثة (السدة الجديدة)
بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وإحتلال العراق من قبل القوات البريطانية عام 1917 فأن حالة سدة الهندية كانت يرثى لها لذا تم البدء بأعمال الصيانة والإصلاح عام 1918 وقد أنيط أمر إصلاحها إلى مديرية الري العامة التي كانت قد أنشأت حديثا وقد تم إنجاز أعمال الإصلاح بشكل كامل عام 1925 وإستمرت أعمال الصيانة حتى سنة 1943 حيث أصبحت السدة ومنشآتها بحالة جيدة خصوصا بعد إلغاء مرور القطار على جسم السدة إلا إن نتيجة الفيضانات المتكررة في نهر الفرات خلال سنين القرن العشرين وخاصة فيضانات 1954 ثم سنوات 1967، 1968، 1969 ورغم الصيانة المستمرة فقد حدثت فيها أضرار كبيرة في هويس الملاحة والطريق فوق جسم السدة كما حدثت تشققات في بعض الجدران وإنهيار جدار مقدم ناظم شط الحلة ولمرور أكثر من 75 سنة على عمرها فقد إستنفذت أغراضها وكان لابد من إنشاء سدة جديدة بدلاً عنها وخصوصاً بعد أن أوضحت الدراسات التي قامت بها شركة سولخوز الروسية بأن السدة لايمكن أن تمرر فيضان إذا حدث وبالفعل فقد تم المباشرة بتاريخ 7 / 12 / 1984 بإنشاء سدة الهندية الجديدة شمال السدة القديمة بحوالي 1,400 كم حيث تم إحالة العمل بعهدة الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية وبتصميم من قبل شركة سوغريا الفرنسية وبأشراف وزارة الري (في حينها) ممثلة بالهيئة العامة للسدود والخزانات وقد تم الإنتهاء منها وافتتاحها في الربع الأول من عام 1989 وقد بلغت الكلفة الكلية للمشروع سبعة وسبعون مليون دينار في حينها
أهميتة السدة
وتتمثل اهمية سدة الهندية بتزويد شط الحلة ونهر الهندية بالمياه في فصل الصيف عند موسم الصيهود.
كما توجد جداول تاخذ المياه من مقدم السدة هي شط الحلة ونهر الكفل وجدول المسيب الكبير من الجهة اليسرى وترعة الحسينية وبني حسن من الجانب الأيمن.