وفاء غانم
يسعى صالح (48 عاما) جاهداً للحصول على لقمة العيش له ولعائلته المكونة من أربعة أفراد، بعد أن فقدها بسبب انقطاع مورد رزقهم الرئيسي وهو الزراعة.
صالح يعيش في منطقة الحمدانية التابعة لمحافظة نينوى التي يعتمد أغلب سكانها على الزراعة لكسب قوت يومهم .
بدت علامات الحزن واضحة على وجه صالح وهو يروي قصته، ليأخذه الحديث عن وصف ارضه التي كان يكد ويحاول أن يحافظ عليها، لكن سرعان ما بدأت أرضه الخضراء التي كانت تضم انواع الفاكهة والخضراء تصفر شيئا فشيئا، فيما تعرضت أرضه إلى التشقق بسبب الجفاف وقلة المياه.
قصة صالح هذه تنطبق على الآلاف من المزارعين الذين تعرضوا لذات المعاناة ، نتيجة تدهور القطاع الزراعي بسبب أزمة المياه.
ويواجه العراق أزمة حادة في موارده المائية بسبب، عوامل طبيعية وأخرى ناجمة عن إنشاء الدول المجاورة مجموعة من السدود والجداول على الأنهار التي تشترك بها مع العراق.
مشكلة كبيرة
ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه في عام 2015، كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سنويا، وأنه بحلول عام 2025، ستنخفض تلك الكمية إلى 1750 مترا مكعبا، مما يهدد استقرار الزراعة والصناعة في البلاد على المدى البعيد، فضلا عن تهديد صحة السكان.
قطاع متهالك ينتظر من ينقذه
الخبير الزراعي تحسين الموسوي أكد أن، وزارة الزراعة كانت تعتزم زرع 25 مليون دونم في عام 2020 لكنها، لم تتمكن من زراعة 5 مليون دونم فيما انخفت الكمية إلى الى 2.5 مليون دونم.
الموسوي اشار في حديثه إلى أن “قطاع الزراعة في العراق بات ضعيفاً جداً فهو لا يؤمّن أكثر من نصف حاجات البلاد الزراعية، فيما تغرق الأسواق بواردات زراعية ذات جودة أعلى”.
وأضاف أنه “إذا مانظرنا إلى الأراضي الزراعية، فسنلاحظ أن آثار شحة المياه تبدو واضحة جداً، فالجفاف بات ينهش في كل شبر من تلك الاراضي “.
الاعتماد على الاستيراد
ورغم أن الحكومة العراقية تؤكد باستمرار منعها استيراد المحاصيل التي تتمتع بوفرة في الإنتاج المحلي، فإن السوق العراقية تمتلئ بالخضر والفواكه المستوردة لا سيما من الدول المجاورة.
وبهذا الخصوص قال رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي في تصريحات سابقة أنه، ليس معقولاً ولا مقبولاً أن يستورد العراق محاصيل زراعية وقد كان منتجاً لها منذ بعيد الأزمان”. مشدداً على ضرورة “تطوير العمل الزراعي في العراق، فما زالت الكثير من طرق الزراعة تقليدية”.
وتحدث الكاظمي عن “وجود فوضى بالتخطيط في العراق تسببت بتراكم عدد كبير من المشاكل”، مؤكدا أهمية “وقف الهدر بالمياه واستخدام التقنيات الحديثة”.
قلة الإيرادات المائية
وتشير أرقام وزارة الزراعة الاتحادية الى أن مايقارب نصف المساحات الشاسعة الصالحة للزارعة متروكة دون استثمار، في مؤشر واضح على تدهور القطاع الزراعي في البلاد التي تعتمد على الاستيراد برغم امتلاك البلد نهرين.
وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم وزارة المواد المائية علي راضي في بيان إنّ “الموسم الماضي كان موسماً شحيحاً بجدارة”، موضحاً أن “قلة الإيرادت المائية كانت بسبب عوامل عديدة أبرزها الجانب الطبيعي والمتمثل في الاحتباس الحراري والتغييرات المناخية التي أثرت على دول العالم، والعراق بوصفه دولة مصب صنف بكونه أكثر 5 بلدان بالعالم تأثرت بذلك، فضلا عن الجانب الفني المتمثل بقيام بعض دول المنبع بإنشاء سدودها الخاصة لحبس المياه، إلى جانب النمو السكاني على طول حوض الأنهر، هذه العوامل بمجملها جعلت البلاد تمر بموسم شحيح”.
وعن ما يُشاع بشأن “ذهاب مياه السيول إلى الخليج دون خزنها في منشآت الخزن العراقية”، أكد المتحدث الرسمي أنه “لو كان لدينا مياه تذهب إلى البحر لما ارتفعت الملوحة في شط العرب وامتدت إلى شمال البصرة”.
مبينا أن “هنالك كميات محددة ومسيطر عليها ومدروسة ضمن الخطط التي يجب أن تؤمن لمحافظة البصرة لدفع اللسان الملحي والسيطرة على عدم امتداده إلى الشمال”، مشددا على أن “هدر المياه العراقية بدفعها إلى الخليج كلام غير صحيح وغير واقعي.
قلةُ تعاون
وتشتكي جمعيات واتحادات فلاحية من عدم وجود قنوات تواصل مع الحكومة، وعدم استجابتها لمطالباتهم بتحسين الواقع الزراعي، مطالبين بالتعاون بين وزارات الزراعة والري والكهرباء والتجارة من أجل “إنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
فيما يرى مراقبون أن هناك تعمداً من قبل الجهات المعنية في إهمال هذا الملف واستغلال الاراضي الزراعية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي لاسباب تتعلق بالفساد، وهدر المال العام.
نسبة المساحات المزروعة
وبحسب إحصائيات رسمية صادرة من وزارة التخطيط فأنه نسبة الأراضي المزروعة لا تتعدى 11,5 مليون هكتار أي 26% من المساحة الكلية للدولة. أما الأراضي المزروعة فعلا فلا تتجاوز 5,5 ملايين هكتار أي 48% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة و13% من المساحة الكلية، في حين يشكل حجم المياه في العراق ربع المياه المتاحة في دول الشرق الأوسط، إلا أن مشاكل المياه مع دول المنبع وتحديداً تركيا وإيران زاد من معاناة الحصول على المياه.
هذا الأمر دفع التجار للاعتماد على على استيراد السلع الزراعية بكافة أنواعها، حيث تذهب مبالغ كبيرة من الموازنة للاستيراد.
إدارة صحيحة
المتحدث الرسمي باسم الوزارة حميد النايف قال في تصريح له أن، هناك 26 مليون دونم من الأراضي الجاهزة للزراعة في العراق، وهذه المساحة تكفي لسد حاجة العراق كلياً من المحاصيل الزراعية، وبالشكل الذي لا يتم اللجوء فيه للاستيراد من الخارج.
ولفت الى ان المشكلة تكمن في “عدم وجود إدارة صحيحة للمياه في العراق مما تسبب بعدم استثمار الكثير من الاراضي في الزراعة، مشيراً إلى أن، العالم تطور كثيراً بشأن طرق أرواء المزروعات بما يسمى بالإرواء المغلف”.
وطال التصحر نسبة 69% من أراضي العراق الزراعية، وفق ما قاله مدير قسم التخطيط في دائرة الغابات ومكافحة التصحر المهندس الزراعي سرمد كامل، في تصريح صحفي، معتبراً أن الأرضي الزراعية هي الضحية الأكبر لاجتياح الجفاف والتصحر والتزايد الملحوظ في أعداد السكان.
الورقة الخضراء
وكان وزير الزراعة العراقي محمد كريم الخفاجي، قد اشار في وقت سابق الى أن وزارته “تمر بأزمة كبيرة”، في ظل صراع البلاد مع أزمة المياه وموسم الجفاف الشديد، وانعكاس ذلك على ثروة البلاد الزراعية والحيوانية
وعن خطط الحكومة لمواجهة التحديات التي تواجه الزراعة، كان وزير البيئة وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي، قد أعلن عن قرب إطلاق “الورقة الخضراء” من قبل الحكومة في بغداد لتطوير القطاع الزراعي في البلاد، ضمن رؤية شاملة لتقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيسي في البلاد.
وأصدر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قراراً بتشكيل لجنة لإعداد “الورقة الخضراء”، “بالتعاون مع الأمم المتحدة والوزارات العراقية المختلفة، والتي تؤسس لمفهوم الاقتصاد الأخضر المستدام كمصدر تمويلي بدلاً من النفط.
الخطة الزراعية
وقالت وزارة الزراعة في بيان إن “الخطة الزراعية الصيفية تعد في الشهر الخامس، حيث توضع مساحة تقدر بـ3 ملايين دونم.
وأضافت أن “هناك 8 محاصيل تزرع ضمن الخطة الصيفية، وحتى الآن لا يمكن التكهن بمقدار المساحات المزروعة، لأنها تتوقف على خطة وزارة الموارد المائية من حيث كميات المياه المتوفرة، فلا نستطيع زراعة دونم واحد دون موافقة وزارة الموارد المائية”.
وأوضحت أن”العراق حقق اكتفاءً ذاتيا خلال فترة جائحة كورونا، وتم تأمين الغذاء بشكل كامل وبأسعار مُيسّرة، وفي حال توفر المياه سيتم توفير جميع المحاصيل ونصل إلى الاكتفاء الذاتي التام”.
إجراءات جديدة للنجاح
عضو لجنة الزراعة في البرلمان العراقي فرات الشرع أكد أن، هناك مجموعة حلول يمكن تطبيقها من قبل الحكومة للنهوض بالواقع الزراعي.
لافتاً في حديث له أن، أولى تلك الخطوات تتمثل في عرض الأراضي للاستثمار، فضلاً عن زيادة مستوى التنسيق مع دول الجوار، لزيادة مناسيب المياه، وتأهيل الآبار للاستفادة من المياه الجوفية”.
وأشار إلى أن “الخطوة الأهم تتمثل في دعم المنتوج الوطني وتقليل الاستيراد لتشجيع الفلاح العراقي على الإنتاج، من خلال فرض نسبة عالية من الضرائب على البضائع المستوردة”.
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان