المسرى
تقرير : هناء رياض
وانت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لابد ان تقع عينك على خطأ لغوي واحد او اكثر في تعليق او منشور لأحدهم , اما ان يكون الخطأ اللغوي لصحفي او اعلامي او نائب في البرلمان او سياسي معروف , فهذه كارثة ثقافية مؤلمة حقاً.
ففي ظل الثورة الرقمية المتسارعة التي نشهدها في هذا العصر، وشيوع استخدام منصات التواصل الاجتماعي ووسائل تبادل المحادثات المكتوبة، والصوتية، والمرئية، قفزت على السطح فضائح لغوية تشير بشكل او بآخر الى تراجع الثقافة اللغوية وعدم الاهتمام بها على اعتبار ان التعبير بالصورة قد فاقت في اهميتها التعبير بالكلمة
وبذا فأن اللغة العربية تواجه أزمة حقيقية في ظل عزوف كثير من الشباب عن استخدام لغة عربية صحيحة للتواصل مع الآخرين.
ويرى البعض ان تداخل الثقافة الشعبية المتمثلة بالناس البسطاء ومتوسطي التعليم او الاميين ممن فاتتهم فرصة التعلم مع ثقافة النخبة المتعلمة من ادباء وكتاب وشعراء واعلاميين وفنانيين على منصات التواصل كالفيس بوك وتويتر أظهرت جيلاً جديداً اعتمد ثقافة المزاوجة بين اللغة العربية واللهجة الشعبية وبذا ضاعت هوية اللغة العربية الاصيلة وفقدت الكثير من اعتبارها بوصفها لغة لها قواعد وأسس رصينة في لفظها وكتابتها , فتحولت هنا وسائل التواصل الاجتماعي الى متهم بالتأثير سلبا على اللغة العربية وعلى مستوى فصاحتها، لا سيما على ألسنة الشباب , اما عن الاخطاء الاملائية في كتابة المفردات سواء كانت فصيحة او عامية فتلك قضية لاتنفصل عن الموضوع الاساس وهو الثقافة اللغوية بين العامة من الناس ..
انهيار التعليم سبب لايمكن تجاهله
ويعزو ذوي الاختصاص حالة التخبط اللغوي التي اشرنا لها اعلاه بأنها انعكاس واضح لسوء العملية التعليمية في العراق فتخريج اجيال لاتميز بين الهاء والتاء المربوطة في نهاية الكلمة ككتابة ( مدرسه ) بالهاء بدل التاء , او كتابة هذا بالالف الممدودة ( هاذا ) او كتابة لكن بالالف ( لاكن ) او عدم التفريق بين حرفي الضاد والظاء في اغلب الكلمات او كتابة شكراً بالنون بدل التنوين ( شكرن ) فذلك دليل على عدم الجدية في تدريس مادة اللغة العربية وتراجع المستوى التعليمي ككل نظراً لأن المواد المنهجية جميعها مطبوعة بالعربية ومن اعتاد القراءة فيها بشكل يومي سيعتاد على كتابة المفردات الواردة فيها بشكل صحيح دون اللجوء لأي قاعدة نظراً لأستقرارها في ذاكرته اليومية
الامية تجاوزت المعقول
من جانب آخر فأن العراق يعاني ازمة حقيقية تقف شاخصة لتدلي بدلوها في المشهد الثقافي والتعليمي في البلد , فوفق تصريحات رسمية لوزارة التربية العراقية فأن العراق يضم اكثر من خمسة ملايين امي لايجيدون القراءة والكتابة , وهذا الرقم هو اقل بكثير من الرقم الذي اعلنته الامم المتحدة عام 2020 والذي تحدثت فيه عن ما يقارب 12 مليون امي في العراق , ومهما كانت الحقيقة فأن اعداد من لايجيدون القراءة والكتابة هي بالملايين تتراوح اعمارهم بين اطفال وشباب جاءوا في ظروف لاتسمح لهم بالذهاب للمدارس كنازحين او معدمين او هم ابناء لوالدين لايجيدون القراءة والكتابة بطبيعة الحال ..
اللغة والمجتمع
وبالعودة على موضوع انعكاس الثقافة الشعبية على مواقع التواصل , فأن استاذ اللغة العربية عبد الرحمن سالم يرى ان مواقع التواصل تعكس المستوى الاجتماعي والفكري والثقافي للفرد , إذ يحاول بعض الشباب في كل طبقة اجتماعية التعبير عن أنفسهم على نحو يضمن لهم التميز عن غيرهم، من خلال ما ينشرونه من موضوعات وتعليقات على مواقع التواصل في قوالب لغوية محددة.
ويقول إن اللغة تسير وراء الثقافة وتعبّر عنها؛ فإنْ هي عجزتْ، تكونُ عندئذ الحاجة إلى غيرها؛ فلا مفرّ من ربط اللغة بالمجتمع.
جهل باللغة ام تعمد في خلق اخرى
ولأن المشهد الثقافي مرتبط باللغة ارتباطاً وثيقاً كونها تدلل عليه وتعبر عنه وتتحدث بأسمه فأن الثقافة المجتمعية عموماً متأثرة بلغة التواصل ومؤثرة بها , ولهذا نجد ان مصطلح العولمة اليوم وما صاحبه من تطور علمي وتكنولوجي ليكون أبرز حدث في نهاية القرن العشرين، شمل مفهوماً مغايراً للتواصل مع الاخر. فاحتلت مواقع التواصل الاجتماعي صادرة عمليات التواصل الإنساني، خاصة بين الشباب باستعمال لغة أُطلق عليها اسم ‘الفرانكو آراب’ وهناك من وصفها باللغة ‘الفيسبوكية’، والبعض لقبها بـ’العربــيزي’. تتميز هذه -اللغة- بوجود مصطلحات خاصة، فتحولت اللغة العربية إلى مزيج من لفظ عربي يكتب بأحرف لاتينية ورموز وأرقام، لتُشكل لغة جديدة بدأت تُطالعنا يومياً أثناء التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، نظراً لأن اللغات الأجنبية تخلو من بعض الأصوات الموجودة في العربية، ولذلك وقعوا في حيرة: كيف يعبرون عن الحاء، والقاف، والضاد والعين مثلاً؟ فبات حرف الحاء مثلاً يكتب رقم ‘7’، والعين رقم ‘3’… إن الاستمرار في تداول هذه اللغة يؤدي إلى تهديد لغتنا العربية وإلى ضياعها مع مرور الأيام، فمثلا أصبحت كلمة ‘محمد’ تكتب ‘mo7amad’ ويزداد الخوف مع مرور الوقت من غزو هذه المفردات، وبالتالي ترسخ هذه اللغة بين جموع الجيل الجديد مما يشكل خطرا على اللغة العربية، ويزيد الهوة بين لغة القرآن والأجيال الناشئة.
اخيراً لا بدَّ من القول بأن اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية، وأداة أساسية يتواصل بها أفراد المجتمع؛ تُوجِب على الناطقين بها ومستعمليها، ضبط قواعدها وصيانة قوانينها لتبقى وتستمر.