المسرى
تقرير : هناء رياض
أهمية العمل لاتتوقف على تدبير الحياة الاقتصادية للفرد وعائلته ومحيطه , ولا تتوقف عند تطور المجتمعات وتقم الحركة العمرانية والصناعية للدول , بل وجب القول ان الانسان العامل هو من خلق الحضارة ببعديها المادي والمعنوي والثقافي بشكل أعم. وان اول الحضارات وآخرها بنيت من عرق العمال والذين قدموا تضحيات من اجل بناء الاسس المادية للحضارة الاولى ..
ومن هنا يمكن القول ان العمل هو محور اعمار الارض ومن فيها، والعمل هو القوة المحركة لركود العقل والسواعد، والعمل هو الحالة الطبيعية التلقائية لوجود الانسان فوق هذا الكوكب. لا تنهض امة الا بالعمل، ولا يتحقق انجاز الا بالعمل، ولا ترتقي الانسانية الا بالعمل، ولما كان العمل يحتاج الى عامل، فان العامل اذن هو صانع كل ما تقدم، وهو الذي يحتفي به العالم من خلال يوم اقرته امم الارض كلها عرف بيوم العمال العالمي، اعترافا لا اقول باهمية العامل، بل بمحورية دوره في اثراء الوجود بكل جديد ومفيد.
وتاريخيا فأن الأول من أيار يشير إلى العديد من الاحتفالات العمالية المختلفة التي أدت إلى الأول من أيار كذكرى لإحياء النضال من أجل ثمان ساعات عمل في اليوم. وفي هذا الصدد يسمى الأول من أيار بالعطلة العالمية لعيد العمال أو عيد العمال العالمي. وقد بدأت فكرة يوم العمال في استراليا عام 1856..
عيد العمال في العراق ..
يعاني عمال العراق وخصوصاً عمال القطاع الخاص بعدة اشكاليات تقف على رأسها عدم حصولهم على الضمان الاجتماعي، فرغم سنوات العمل الطويلة تمتنع شركات كثيرة من تسجيل العاملين لديها في صندوق الضمان، ويعزف العمال بدورهم عن التسجيل أحيانا بسبب عدم قدرتهم على تحمل الاستقطاع المطلوب للضمان في ظل انخفاض الأجور والظروف الاقتصادية الصعبة في البلد. وفي النتيجة لا يجد كبار السن من العمال ومن يتعرضون للحوادث أثناء العمل أي ضمانات أو حقوق تعينهم على تحمل مشقات الحياة بعد فقدانهم القدرة على العمل.
إحصائيات ومسببات
لا يوجد إحصاء رسمي لعدد العمال في العراق نتيجة عدم تسجيلهم جميعا ضمن قواعد بيانات الوزارات الحكومية أو صندوق الضمان، لكن الأرقام تتراوح وفقا لتقديرات عدد من النقابات العمالية، بين 5-6 ملايين عامل موزعين على القطاع الخاص والحكومي، لم يسجل منهم في صندوق الضمان الاجتماعي التابع لوزارة العمل سوى 570 ألف عامل فقط وفقا لتصريحات وزير العمل
ولكن رغم تحركات الوزارة، لا تتجاوز نسبة العمال المسجلين حتى اليوم 10 في المئة من مجموع العمال، نتيجة لعوامل عدة أبرزها سطوة أصحاب العمل الذين لا يريدون دفع 12 في المئة من أجور العامل لصندوق الضمان.
ويشير رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، علي رحيم الساعدي، إلى أن العمال أنفسهم يتحملون جزءا من المسؤولية بسبب غياب الوعي لديهم حول إيجابيات الضمان، وانعكاساته الإيجابية على مستقبل العامل وعائلته في حال تعرضه للإصابة. وأضاف الساعدي أن الجزء الآخر من المسؤولية يقع على عاتق أرباب العمل الذين لا يتعاونون فيما يتعلق بدفع مبالغ الضمان للعامل.
وعود واهية
وترافق تراجع بيئة العمل في العراق مع ظروف صحية وأمنية صعبة مرت على البلد، الأمر الذي زاد من معاناة العمال، خصوصا مع تفشي وباء كورونا وتداعياته على سوق العمل.
ووفقا للمسؤول النقابي الذي صرح لوسائل اعلام محلية ، لا تولي السلطتان التنفيذية والتشريعية في البلاد مطالب العمال الاهتمام اللازم. مؤكدا أن وعودا حكومية كثيرة أطلقت لحل المشكلة لكنها لم تفض إلى حل. ويتابع “مع شديد الأسف نحن لا نتعامل مع رجال دولة وليس هذا وحسب فهم لا يمتلكون مرونة أو حلولا ولا يهمهم سوى الانتفاع والمصالح الشخصية أما قضايا العمال وحقوقهم فلا يمتلكون أي رؤية أو ضمان لهم فيها”.
هرم المسؤولية ولجان التفتيش
يرجع كثير من الناشطين في مجال حقوق العمال قلة عدد المسجلين في صناديق الضمان إلى غياب دور لجان التفتيش الرقابية التي كانت تقوم بدور مهم في زيارة أماكن العمل ومحاسبة أصحاب العمل في حال عدم تسجيل العاملين لديهم في الضمان، لكن تلك اللجان انحسرت مع تراجع الدور الرقابي وفترات عدم الاستقرار الأمني التي مرت بالعراق، ويعترف المنضوين في تكوينها بضعفها وعدم تقديمها المطلوب.
ويقول علي رحيم الساعدي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق أن المسؤولية في عمل تلك اللجان تقع على عاتق ثلاثة أطراف تضم كلا من ممثل وزارة العمل رئيسا وممثل عن نقابات العمال وممثل عن اتحاد الصناعات.
وأقر الساعدي بأن دور تلك اللجان ليس بالمستوى المطلوب لكن ممثليها يبذلون ما وسعهم للوصول حتى لأطراف المدن، وقال: “أبلغنا وزارة العمل عن وجود شكاوى كثيرة حول عمال غير مضمنين”.
في المقابل، يرى رئيس اتحاد الصناعيين العراقيين، عادل عكاب، أن الوضع الاقتصادي أثر كثيرا على دور تلك اللجان وعددها، مشيرا إلى أن اتحاده، ونتيجة لمحدودية ميزانيته وغياب الدعم الحكومي لا يمتلك إلا خمسة ممثلين من أصل 24 لجنة.
وقال إن ضعف الموارد والإمكانيات وغياب الممثلين عن اللجان يولد مشاكل كبيرة، وهي لا تغطي كل مواقع العمل في العراق، موضحا قوله “اللجان بصراحة هي على الورق لكنها في الواقع غير موجودة “.
نقابات متعددة
وبالرغم من وجود ثماني نقابات واتحادات تمثل شريحة العمال، فإن العامل العراقي يعاني من مشاكل عديدة متراكمة مثل التمييز، فالحد الأعلى لرواتب تقاعد العمال لا يتجاوز أربعمائة ألف دينار عراقي، بينما يكون الحد الأدنى لرواتب تقاعد الموظفين الحكوميين خمسمئة ألف دينار. وأيضا جشع أصحاب العمل وضعف القانون ساهما في تهميش العمال وحرمانهم من حقوقهم، وكذلك انشغال رؤساء تلك النقابات في الصراع في ما بينهم على المنافع الخاصة بهم وبنقاباتهم جعلهم يغفلون مشاكل العمال ومعاناتهم.
تعديل القوانين والإنصاف
ينص قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي على عقوبة بغرامة مالية أو السجن لصاحب العمل الذي لا يسجل جميع العاملين لديه في صندوق الضمان الاجتماعي لضمان حصولهم على التقاعد، لكن رغم هذا يرى ممثلو نقابات العمال أن القوانين المرتبطة بالعمل هي قوانين غير منصفة ولا تلبي احتياجات العامل العراقي ومتطلباته الحياتية، وأبرزها المساواة مع أقرانهم في القطاع العام.
وعن هذا الأمر يوضح أمين العلاقات في الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، تحسين نديم، أن الإجحاف بحق العامل كبير وهناك فجوة بينه وبين الموظف الحكومي، فإن أعلى حد لتقاعد العامل هو 400 ألف دينار عراقي (حوالي 270 دولارا ) بينما يبلغ الحد الأدنى لتقاعد الموظف الحكومي 500 ألف دينار عراقي (حوالي 340 دولار ) أضف إلى ذلك أن قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 هو قانون بائس، كما يصفه، ولا يعالج الكثير من المشاكل أو يواكب التطورات الحياتية التي حصلت في مجال العمل، وهو حال قانون التنظيم النقابي رقم 52 لسنة 1987 الذي يحتوي هو الآخر نفس المشاكل السابقة ويحرم العمال في القطاع العام من التنظيم النقابي، مشيرا إلى أن الاتحادات والنقابات العمالية عملوا على إنجاز مسودتين لمشروع قانونين بديلين عن القوانين المؤشرة، لكن المسودتين معطلتان لدى مجلس شورى الدولة، وهناك تعطيل لإقرارها وبالأخص قانون التنظيم النقابي بينما ننتظر إقرار قانون التقاعد الجديد في البرلمان.
مصائب مجتمعة
رغم تعدد النقابات ووجود وزارة للعمل، يرى الناشطون في مجال حقوق العمال، أن العامل العراقي يرزح تحت مصائب عدة منها غياب القدرة على تطبيق القانون والحصول على الحقوق، ويبقى كثير من العمال دون ضمان أو معيل جراء إصابات أو حوادث تعرضوا لها في ضل سطوة أصحاب العمل وجشع البعض منهم ممن يستند إلى ضعف القانون وتطبيقه وقلة فرص العمل وشحتها في العراق بعد أن بلغت نسبة الفقر في أحد أغنى البلدان في العالم 25 في المئة وفقا لوزارة التخطيط، ووجود أكثر من 1.6 مليون عاطل عن العمل وفق المسجلين لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إضافة لوجود 1.5 مليون عامل أجنبي في البلد وفقا للجنة العمل النيابية.
وإلى جانب كل تلك العوامل، فإن انخفاض دخل العامل يجعل من الصعب عليه تحمل الاستقطاع المطلوب للضمان، وهكذا ينصرف اهتمامه إلى توفير لقمة العيش اليومية لأسرته دون التفكير في المستقبل.