المسرى
تقرير : هناء رياض
لطالما لجأ الانسان لايجاد مخرج من التقلبات البيئية التي قد تضر به وتلقي بضلالها على حياته ولهذا كانت تقنية الاستمطار الصناعي التي ساعدت الكثير من الدول في محاربة الجفاف والتصحر وقلة الهطول ..
الاستمطار الصّناعي هو عملية تغيير متعمدة على الطقس؛ بحيث يتم استثارة السحب وتحفيزها لإسقاط محتواها من المياه الكامنة بها، أو الثلوج المتجمدة فوق مناطق جغرافية محددة، وذلك من خلال عوامل كيميائيّة أو بيولوجية محددة يتم إسقاطها في كتلة السحابة؛ بهدف زيادة كثافة السحابة، وزيادة كثافة بخار الماء الذي يسقط فيما بعد على هيئة مطر وثلج، ويُستخدم الاستمطار الصّناعيّ من أجل زيادة هطول الأمطار في المناطق التي لا تشهد امطاراً كثيرة.
كما انه يساعد في تنظيف أو تبريد الهواء ومنع العواصف والتقليل من الأعاصير نتيجة هطول الأمطار المبكر. ويعمل على تقليل حرارة الشمس عن طريق زيادة كتلة السحب.
كيف تتم عملية الاستمطار الصناعي
تتم عملية الاستمطار الصّناعيّ من خلال زراعة السّحب بنوى التكثيف أو المحفزات لسقوط الأمطار، بحيث يتم زرع هذه المحفزات بواسطة الطائرات، أو الصواريخ، أو المدافع الأرضية؛ وذلك باستخدام مواد متعددة كالثلج الجاف، أو ثاني أكسيد الكربون الصلب، ويوديد الفضة، وكلوريد الكالسيوم، وكلوريد الصوديوم، ورذاذ الماء، وتُعتبر العملية التي تُستخدم فيها مادة يوديد الفضة للتحكم في تسريع عملية هطول الأمطار أشهر العمليات المستخدمة للاستمطار الصّناعيّ؛ إذ تعمل على زيادة كثافة السحب فوق معدلها الطبيعي، مما يجعل بلورات الثلج الموجودة بداخل السحب تتجمد، ثم تتساقط بفعل ثقلها نحو الأرض، قبل أن تعيدها الحرارة المرتفعة قرب السطح إلى حالتها السائلة مرة أخرى، ولتعزيز ضمان نجاح عملية الاستمطار الصّناعي فلا بدَّ من توّفر عدة عوامل طبيعية تساعد على الاستمطار، مثل تواجد السحب الرّكامية، ووجود تيارات هوائية صاعدة، وتحديد الوقت المناسب لتلقيح السحب، ومعرفة الكمية المناسبة من المواد المحفزة التي يجب حقن السحب بها.
اما الكيميائيات المستخدمة في عملية الاستمطار فممكن أن تنشر من خلال طائرات أو من خلال أجهزة مثبتة في الأرض أو أسطوانات تطلق من خلال مضادات الطائرات أو الصواريخ. بالنسبة لعملية النشر من خلال الطائرات يتم رمي المشاعل خلال التحليق فوق السحاب وتكون العملية كرمي ذباب من الطائرة. أما الأجهزة الأرضية فإن المواد تحمل من خلال الهواء صعودا بواسطة تيارات الهواء.
وهنالك آلية إلكترونية تم اختبارها في سنة 2010 حيث وجهت نبضات من ليزر ذو اشعة تحت الحمراء للهواء فوق برلين لباحثين من جامعة جنيفا.التجربة افترضت أن هذه النبضات سوف تحفز ثنائي أكسيد الكبريت وثنائي أكسيد النتروجين في الغلاف الجوي ليكون جزيئات محفزة لعملية الاستمطار.
طرق الاستمطار الصناعي
يرتبط حدوث الاستمطار الصّناعيّ بطرق عديدة لاستخدامها في حقن أو تلقيح السحب، وهي كالآتي:
الطريقة الجوية: يتم استمطار السّحب صناعيًا بهذه الطريقة بوجود الطائرات والصواريخ الجويّة، حيث تُحلّق تحت أو فوق أو داخل السحابة وفقًا لطبيعته، وهي أكثر الطرق فعاليّة، وتُستخدم في كثير من دول العالم التي تعاني من الجفاف.
الطريقة الأرضية: تتم من خلال مضادات الطائرات والمولدات الخاصة أرضًا، ويكثر استخدامها في دولة الصين.
ما هي سلبيات برنامج الاستمطار الصناعي
على الرغم من الفوائد التي يُقدّمها الاستمطار الصناعيّ إلّا أنَّه يحمل في ثناياه العديد من السلبيات، والتي قد تتمثل بحرمان المناطق البعيدة عن السواحل والمحيطات من مياه الأمطار؛ وذلك عندما تحدث عمليات الاستمطار بالقرب من المناطق الساحلية، وقد ينشأ عنها أزمات سياسية في البلاد.
كذلك امتصاص الماء في التربة وتقليل تركيز بخار الماء في الغلاف الجوي فوق الأرض، وهذا قد يؤدي إلى انتقال بخار الماء من المحيط إلى الأراضي الصحراوية فيزيد من تبخر مياه المحيطات.
زيادة درجات الحرارة خلال النهار وانخفاضها بشكل كبير في الليل.
انخفاض في مستوى غاز ثاني أكسيد الكربون وذلك بسبب زيادة عملية البناء الضوئي واعتمادها بشكل أكبر على الطاقة الشمسية.
تغيير المناخ المحلي للدولة المستخدمة لهذه التقنية الصناعية إلى حد كبير، ولكن لا يمكن التنبؤ بمدى تأثير عملية الاستمطار على المناخ العالمي بشكل عام.
إلحاق الضرر بالبيئة وخاصةً النباتات والحيوانات، نتيجة استخدام المواد الكيميائية لاستمطار السحب، ولكن اليود الفضي المستخدم ليس له أضرار معروفة على الصحة.
الكلفة المرتفعة جدًا لعملية الاستمطار الصناعيّ، ولهذا لا تستطيع الدول الضعيفة اقتصاديًا من القيام به.
كم تكلفة تكنولوجيا الاستمطار الصناعي
تُعدُّ عملية الاستمطار مكلفة جدًا فلا تستطيع الدول الضعيفة اقتصاديًا من القيام بها، فقد يصل استمطار ما يقرب من 24 سحابة إلى ما يقارب خمسة آلاف دولار.
وأفاد تقرير صدر عن هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في العام 2014 أنّ الحكومة الإماراتية قد سيّرت 200 رحلة استمطار خلال عام واحد بتكاليف تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات. ففي كل رحلة تستغرق مدتها حوالي الأربع ساعات يمكن استمطار ما يقرب من 24 سحابة بتكلفة تصل إلى خمسة آلاف دولار.
وأفاد التقرير ذاته أن الوزارة تعتقد بأن أنشطة الاستمطار قد رفعت من نسب سقوط الأمطار بنسبة 30% تقريباً بعد نجاح العمليات في إسقاط 270 مليون جالون من المياه تقدر قيمتها بـ 300 ألف دولار.
ولهذا قامت دولة الإمارات بضخ 18.3 مليون درهم (5 ملايين دولار أمريكي) لتشجيع العلماء والباحثين في هذا المجال على إجراء الأبحاث الرائدة لمدة ثلاث سنوات
تاريخ تقنية الاستمطار
في عام 1946، اكتشف الدكتورالامريكي بيرنارد فونيجت طريقة “يستمطر” بها السحب باستخدام مادة يوديد الفضة، وذلك بنشر ذرات وجزيئات تكثيف تتسبب في هطول الأمطار. إلا أنّ هذه الطريقة لم تنتشر على نطاق واسع إلا بعد عشرين عاماً تقريباً على يد القوات المسلحة الأمريكية في فيتنام.
فقد استمرت العملية التي أطلق عليها “عملية بوب آي” على فترات زمنية منتظمة بين 1967 و1972، لإطالة فترة هطول الأمطار في فصل الصيف على منطقة “هوشي مينه تريل”، بغرض الابقاء على “انتشار الطين والوحل بفعل الأمطار حتى تضع الحرب أوزارها وتتوقف”، وذلك بحسب تصريحات سرب استطلاع حالة الطقس الرابع والخمسين. وفي الوقت الذي كان به الجيش الأمريكي يحاول استخدام الطقس كسلاح لإعاقة مقاتلي الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة باسم “فايت كونغ” من خلال استمطار السحب لتكوّن الوحل والمستنقعات أثناء تلك الحرب، برزت بشدة أهمية واحتمالات نجاح صناعة استمطار
وقبل التجربة الأمريكية، نجحت مؤسسة فرنسية غير ربحية في اقتحام هذه المجال في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وذلك بتقليل الضرر الذي كانت تتعرض له المحاصيل الزراعية عن طريق الحد من سقوط الأمطار الباردة.
وبعد ذلك بعقود عدة، لجأ طيارو جيش الاتحاد السوفيتي إلى استمطار السحب بعد كارثة مفاعل تشرنوبيل لمنع الجسيمات المشعة العالقة بالسحب من الوصول إلى موسكو بالرغم من تعرض الروس للنصيب الأكبر من الضرر الناجم عن الحادثة.
وفي أثناء انعقاد قمة مجموعة الثماني الصناعية الكبرى عام 2006، التي استضافتها روسيا، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفخر عن قيام الطائرات باستمطار السحب لضمان صفاء السماء وصولاً إلى فنلندا. إلاّ أنّ الأمر لم يخلُ من سقوط أمطار، على أي حال، أثناء انعقاد القمة. وبعد ذلك، وتحديداً في عام 2008، شارك الطيران الروسي في تدريب خاص على استمطار السماء؛ ولكنّ، ولسبب ما، أسقطت عبوة من الإسمنت على سقف أحد البيوت في العاصمة موسكو.
العراق كان رائداً .. ولكن
أما استمطار السحب المستخدم في ري المناطق القاحلة فهو التطبيق الأنجح لهذا المجال، حيث اعتمدت الهند عليه خلال فترات الجفاف التي تعرضت لها البلاد في الفترة بين 1983 و1994. وقد واصلت الهند بعد ذلك هذه العمليات بالتعاون مع المؤسسة الأمريكية لتعديل أحوال الطقس كمزوّد “حلول جوية”.
اما العراق فقد كان رائداً بين الدول العربية التي استخدمت الاستمطار خلال فترة التسعينات من القرن الماضي , الا ان ظروف الحرب حالت دون استمراره وتوقفت تلك التقنية تماماً بعد ضياع الطائرات والمواد الخاصة بتلك التقنية
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، عمل المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل على تغيير حالة السحب وحثها على الاستمطار طوال عقد من الزمان. إلا أنه يتعين على الطيارين الذين يعملون وفق بيانات الأقمار الصناعية استهداف نوعيات معينة من تجمعات السحب المُثقلة بالأمطار الغزيرة.