الكاتب.. عبد الهادي مهودر
لم تكن وسائل نشر الاكاذيب مزدهرة كما هي عليه في عصر الاتصالات وحيث اصبحت الاخبار الكاذبة تصل أهدافها بلمح البصر ، وكم كنا قساةً على الكذابين في عصور الخيل والليل والبيداء قياساً بصنّاع الشائعات اليوم وحيث اصبح الكذب فناً ومهنة وراتباً ودوائر واقسام وتدريب على كيفية اطلاق الكذبة وتوسيع نطاقها ومتابعة آثارها ، كان إبن الصحراء يكذب بوجه مكشوف وعنوان معلوم ودون عوامل مساعدة على الانتشار فيصرخ او يوشوش في آذان الآخرين بكذبة كاملة او باختلاق قصة تحمل نصف الحقيقة، ولذلك كان مطلقو الاكاذيب مشاهير وليسوا مجهولين حتى ليوصف أحدهم بأنه (أكذب اهل زمانه) او أكذب من مسيلمة او من عرقوب الذي اشتهر بكونه أكذب ًأهل زمانه موعداً ، أما في زماننا فالاكاذيب تنطلق بأشكال مختلفة وتوقيتات مدروسة ونسميها شائعات وهي في حقيقتها أكاذيب سواء كانت زاحفة او طائرة او هجومية او استطلاعية او تسقيطية او شائعات خوف او أمل ، وخلال الفصل الأول من العام الجاري فقط رصدَ قسم الشائعات في وزارة الداخلية اكثر من الفين وتسعمائة شائعة، نعم (2900) وجميعها صناعة محلية او معاد إنتاجها في خبر يكشف حجم الإنفاق في هذا المجال الذي بجعل من صناعة الكذب جزءا من عمل ماكنات الخراب والفساد ، واذا كان الفصل يعني ثلاثة اشهر فيمكن ان يصبح اجمالي الشائعات ( 12) الف شائعة سنويا ، ومع تحقق نسب انتاج وتوزيع عالية يمكن تصدير الفائض منها الى الخارج مثل الطاقة الكهربائية الفائضة عن الحاجة ، مع فارق بسيط هو مجهولية مصادرها وعدم امتلاك صنّاع الشائعات جرأة مسيلمة وعرقوب على الظهور والمواجهة ، فنحن نحصي الشائعات بسهولة مثلما نحصي أعداد القتلى والمصابين في زمن حرية الكذب المصونة اكثر من حرية قول الحق الذي لايبقي لك صاحباً ، والكذاب الذي كان منبوذا عبر الناريخ بصفته المذمومة اصبحت الناس تخشاه وتتجنب شروره وتكسب وده وتنفذ مطالبه او يدعوها للاستفادة من مواهبه في الابتزاز والتسقيط ، وحسب احصائية وزارة الداخلية فهناك (1617) شائعة تنطلق من مواقع التواصل الاجتماعي ما عدا الاخبار المضللة في الصحف والمجلات والضعيفة التي لا تهم الرأي العام،وليس في الأفق توقعات بتراجع عدد الشائعات لأنها تنمو في مثل بيئتنا غير المستقرة التي يسودها الغموض والجهل والفوضى وغياب القوانين وتراجع القيم الاجتماعية وكثرة التقاطعات والخصومات وتعدد المصادر والرؤوس والأذرع ، ولاينفع معها اسلوب النفي البدائي الذي قد يؤكدها ويروّجها مجدداً ،كما سقطت في هذا الزمن معظم النظريات التقليدية في الاعلام والاتصال والدعاية والحرب النفسية وصمدت نظرية المرحوم داخل حسن ( ادور اعلى الصدگ ياناس ضاع وبعد وين الگاه).