في عام ٢٠١٧ ذكر ماريو كيمبس بان “الوحيدون الذين سيفرحون برحيل ميسي عن كأس العالم هم مشجعوا مارادونا اذ هم يريدونه الافضل على الدوام”!
لا ادري مالذي دعا كيمبس الى حصر عشق الجمهور الارجنتيني لكرة القدم في التمييز بين لاعبين اثنين دون الانجاز الوطني المتواتر الذي يبتغيه الارجنتينيون، ولكنني ارى في مارادونا الافضل وأنتظر الانجاز من ميسي بحمله كأس العالم كي استبدله بمارادونا فيكون عندي الأفضل.
عندما كنت شابا في مقتبل العمر لم ارَ احدا في بلدي يشجع المنتخب الارجنتيني ويتمنى له الفوز، اما الآن فأرى له جمهورا عريضا لايقتصر على تمني الفوز للأرجنتين فقط بل ويعشق الساحر ميسي ايضا ويدعوا له بان يكون الافضل.
في عام ١٩٧٨، وفي المباراة النهائية لبطولة كأس العالم التي جرت في بوينس آيرس، كنت الوحيد في المقهى الذي كان يعج بمؤيدي المنتخب الهولندي أشجع الارجنتين، وعندما وضع كيمبس هدف الفوز الثاني في الوقت الاضافي تعالى صياحي وحدي، وحدي فقط، اذ ربما ليس احتفالا بالهدف فحسب وانما نكاية بعشرات المتعجبين من تحمسي للفريق الارجنتيني والناقمين عليه ايضا، وكذلك تعويضا لما فاتني من الوقت الثمين في السعي والدراسة حيث صادفت البطولة ادائي امتحانات البكالوريا للصف السادس الاعدادي. وفي المباراة الودية الثأرية التي جرت في نهاية ذلك العام، يذكّرني اصدقائي ممن كانوا يشاهدون المباراة معي في قاعة البيتونة الكبيرة في بناية القسم الداخلي رقم (٣) في داخل الحرم الجامعي لجامعة الموصل ونحن نشاهد المباراة من خلال تلفزيون ملون حجم (٢٨) عقدة كتب في اسفله على لوحة مستطيلة بخط الرقعة “هدية القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي”، كما في حالة تلفزيون المقهى تماما، حيث لم يكن التلفزيون الملون قد دخل البيوت العراقية بعد اللهم الا بعض القلة من الميسورين، يذكّرونني كيف كنت الوحيد الذي يشجع المنتخب الارجنتيني وقد فرحت في حينها وحدي، وحدي فقط، حين فاز كيمبس ورهطه بضربات الجزاء الترجيحية.
في الحقيقة كنت أعي موقفي، فالارجنتين كانت احدى بلدان امريكا اللاتينية التي تقارع الهيمنة الامريكية وتنتعش فيها الافكار الثورية اليسارية. لقد اكد مارادونا صحة موقفي في عام ١٩٨٦ في البطولة التي جرت في المكسيك فقد كان يقاتل بريطانيا بسلاح الكرة في الملعب فيما هي كانت تنتزع جزر الفوكلاند بجيش جرار جاب المحيط الهادئ وتدعمه امريكا حيث كانت الادارة الامريكية تصف الحكم العسكري في الارجنتين كما تصف اليوم نظام كوريا الشمالية. لقد انتزع مارادونا كأس العالم للارجنتين من بريطانيا، رغما عنها، قبل المانيا، في ذلك العام، واضاف لامجاده مجدا عظيما جعله الافضل في تأريخ كرة القدم.
في ذلك العام كنت جنديا أؤدي خدمة الاحتياط في جبهة القتال في قاطع الفكة ضمن تشكيلات الفرقة الآلية الأولى التابعة لقيادة الفيلق الرابع في شرق ميسان، وكنت اشاهد المباريات من على تلفزيون صغير (١٤) عقدة في داخل الملجأ في وحدة الميدان الطبية الثانية حيث كانت تتخللها اغنية الاحتفاء بصعود المنتخب العراقي لنهائيات المكسيك المثيرة والتي كانت تؤديها مطربة الخشابة البصرية السمراء “ربيعة”.
الآن فان الأرجنتين هي ذاتها الارجنتين، وجزر المالوين (فوكلاند) مازالت محتلة، ولكن الارجنتين انجبت هذه المرة “ليو ميسي” الذي سحر الجيل الحالي بلعبه وبانجازاته مع ناديه “برشلونة” التي فاقت كل انجازات اللاعبين في تاريخ اللعبة، وكاد ان يظفر لبلده بكأس العالم في عام ٢٠١٤ ولكنه اخفق في المباراة النهائية.
ولو ان ميسي هو صهر مارادونا لكنه لايسير على نهجه، فميسي يساير العالم الرأسمالي ويتبنى نمط الحياة والبهرجة الغربية، ويجاهر في دعايته لاسرائيل ويلف على ذراعه علم المثلية الجنسية اثناء مبارياته مع ناديه الحالي “باريس سان جيرمان”، ولاشك في ان هذه البطولة ستكون آخر بطولة يشارك فيها ميسي، كما صرح هو بذلك، ولكنها بالتاكيد سوف تكون الفرصة الأخيرة له لاتمام انجازاته بالفوز بكأس العالم واثبات انه الافضل في التاريخ ولو ازعج ذلك مشجعي مارادونا كما ادعى كيمبس، وخصوصا وان زميله في ناديه سان جيرمان “أنجل دي ماريا”، الساحر هو الآخر، يصاحبه هذه المرة.
وبعيدا عن الجدال عمن هو الافضل، بين مارادونا وميسي، او لماذا ارى في بلدي اليوم جمهورا عريضا يشجع الارجنتين، ويشجع ميسي بالذات، أرى نفسي منحازا للارجنتين في بطولة كأس العالم التي سوف تنطلق غدا في قطر، اذ مازالت عندي اسبابي، وأتوق لرؤية ميسي وهو يرفع الكأس ليقول لجيله وللعالم بأني جلبت الكأس للارجنتين وانا الافضل وقد انتهى عهدي بكرة القدم منتظرا ان تنجب الارجنتين ابنا بارا آخر لها يرفع شأنها من خلال كرة القدم، ولأكون انا ايضا، وربما الوحيد في بلدي، مشجعا مستمرا وهو يرى كيمبس ومارادونا وميسى يرفعون الكأس.
بهروز الجاف
١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٢