الكاتب.. عبدالمنعم الأعسم
تعذيب السجناء حتى الموت، بهدف انتزاع اعترافاتهم، او املاء اعترافات ملفقة على لسانهم، ملفٌ كبيرٌ ومخزٍ ومرعب مسجل في تاريخ نظام الدكتاتورية البغيض، كشف الكثير من المحسوبين عليه جوانب منه، فيما لم يفلت من اهوال التعذيب وفنونها حتى اعضاء وكوادر وقيادات حزب البعث الحاكم الذين كان يُشكّ في ولائهم للدكتاتور،
وفي ارشيف ذلك التاريخ طائفة واسعة من كتب المذكرات والمقالات والوثائق التي نشرها شهود عيان وضحايا واتباع نظام صدام، على نطاق واسع، فضلا عن وثائق الامم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومدونات هيئات حقوق الانسان، وتكمن المفارقة السوداء هنا في ما نُشر عام 1999 في العدد 13 من جريدة الوقائع العراقية ما سمي باللائحة التنظيمية لحقوق السجين العراقي التي اكدت الحق في سلامة جسمه من التعرض للتعذيب او المعاملة السيئة.
وتجب الاشارة الى ان التذكير بهذا الملف المرعب لا ينطلق من تجربة (أو رد فعل لمعاناة) كاتب هذه السطور الذي القي به مرتين (خلال عهديّ البعث) الى اقبية التعذيب والحبس الانفرادي وتعرض الى سياط وحبال ومهانات، بل من زاوية اوسع (وذات بعدٍ انساني) تتصل بحقوق السجناء عامة (وسجناء الرأي خاصة) إذْ شُرّعت تلك الحقوق في وثائق ومعاهدات دولية، وكلها تدين الممارسات الهمجية ضد السجناء حيث جرى ويجري احياؤها في عهد ما بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتورية في اقبية رسمية تابعة لاجهزة الامن، واخرى (انتباه) غير رسمية تديرها مليشيات مسلحة وفصائل «مدللة» تمولها الحكومة.
كل هذه الممارسات الهمجية، في الماضي والحاضر، تضعها المعاهدات والمواثيق الدولية تحت ملف انتهاكات حقوق السجناء التي صارت معيارا لهوية الانظمة والحكومات وشكل التزاماتها بالمواثيق ذات الصلة، قبل الحكم على السجين او بعده، وقد شرعت في بنود ضافية وبحوث ودراسات مدنية وقضائية لم تبقِ اية ذريعة لاستخدام العنف والارهاب في التحقيق مع المتهمين ولا مع السجناء، مهما كانت الجريمة التي ارتكبوها.
وإذ كانت سلطات الدكتاتورية ترفض دعوات الكشف والتقصي حول آلاف الشكاوي والتقارير الميدانية عن انتهاكات حقوق السجناء، وتمتنع عن تأمين زيارة فرق المنظمات الانسانية للسجون والمعتقلات فان التقارير المنشورة في الآونة الاخيرة تثير مخاوف مشروعة من ان تكون ممارسات الامس قد تكررت في 36 سجناً ومؤسسة تأهيل للأحداث تابعة لوزارة العدل، ومما يقلق هنا هو تلك المعطيات التي تكشف عن انتهاكات وتضييقات يتعرض لها سجناء على يد جهات امنية ومليشياوية دون علم وزارة العدل، وربما بتواطؤٍ من موظفين كبار فيها.
وفي وقت سابق نقل عن مصادر في وزارة الصحة تأكيدها «ارتفاع عدد الوفيات داخل سجون التسفيرات ومراكز الاحتجاز»، وقال تقرير، نشرته منظمة تعنى بشؤون السجون، استمرار «عمليات التعذيب الممنهجة» ويضاف هذا الى تقرير سابق عن وفيات غامضة في السجون، يجري التحقيق فيها من قبل ادارة السجن نفسه الذي توفي فيه السجين.. ما يذكرنا بقصة فيلم هندي عن امرأة لاذت باحد القضاة باكية شاكية من أذى ابنه المتهور، فقضى للابن بحقين، واحد مالي بالنقد، والاخر معنوي بالاعتذار.
نقلا عن صحيفة المدى