المسرى .. متابعة
عد الثامن عشر من كانون الأول ديسمبر اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة، اللغة العربية لغة عمل رسمية، لتكون بذلك إحدى اللغات الست التي تعمل بها الأمم المتحدة، وهي: العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية؟
مذاك أصبح هذا التاريخ يوما عالميا للغة العربية، إذ تُفرد الأمم المتحدة صفحة خاصة للاحتفال بهذا اليوم يتوّجها بيت للشاعر المصري أحمد شوقي، يقول فيه:
إن الذي ملأ اللغاتِ محاســناً
جعل الجمال وسرّه في الضاد
تحدث أكاديميان متخصصان باللغة العربية وآدابها تابعهما /المسرى / ، عن أهمية اللغة ومميزاتها والتحديات التي تواجهها، لاسيما أنها إحدى أكبر اللغات في العالم إذ يتحدث بها أكثر من 400 مليون إنسان.
يقول الأستاذ الدكتور حيدر عبد الزهرة التميمي، التدريسي في قسم اللغة العربية بجامعة بغداد، إن “اللغة العربية تتمتع بأهمية كبيرة جداً عن طريق شيوع المتحدثين بها، خصوصاً أن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 400 مليون شخص في العالم يتحدث العربية، فالكثير من الدول جعلت اللغة العربية اليوم ضمن لغاتها الرسمية، إذ أن أكثر من 25 دولة جعلت من اللغة العربية لغتها الرسمية”.
يضيف التميمي، أن “اللغة العربية، هي اللغة الرسمية للدين الإسلامي، والمطّلع على خارطة العالم يلمح بوضوح أن الدين الإسلامي الآن ينتشر في أكثر من 57 دولة حول العالم، فهو ثاني أكبر ديانة في العالم، وأن من يعتنق الدين الإسلامي يجب أن يتعبّد باللغة العربية”.
وبشأن المعوقات والمشاكل التي تواجه اللغة العربية، يتابع التدريسي في قسم اللغة العربية بجامعة بغداد، أن “هذه المشكلات نابعة من اتجاهات كثيرة، منها داخلية وأخرى خارجية، وما يتعلق بالداخل فالعربية لا يستطيع أن ينكر أحد على المريدين من المعلمين أو المتعلمين أن هناك صعوبة في اللغة العربية حتى على أهلها المختصين ولن تستطيع الدراسات التيسيرية والوسائل التعليمية والتربوية على مختلف أنواعها وعلى مر العصور من تقليل صعوبة تعلم العربية ولهذا هناك انتشار للغة العامية وابتعاد عن العربية، وهذا ولد عائقا كبيرا في سبيل تعلمها”.
وبدأ تخليد اليوم العالمي للغة العربية عام 2012، وفي عام 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو جعل اليوم العالمي للغة العربية نشاطها المركزي السنوي.
ويهدف اليوم العالمي للغة العربية إلى إبراز الإسهام المعرفي والفكري والعلمي لهذه اللغة وأعلامها في مختلف مناحي المعرفة البشرية عبر التاريخ.
من جانبه، يفيد الدكتور حيدر غضبان أستاذ علم اللغة واللسانيات في كلية الآداب بجامعة بابل خلال حديث ” بأن “أكثر من خمسمائة مليون نسمة في العالم أي بنسبة 6.6% من سكان العالم يتحدث العربية، وتأتي في المرتبة الرابعة بين اللغات الأكثر شيوعا في العالم بعد اللغة الإنكليزية والصينية والهندية، وهناك 25 دولة تتحدث اللغة العربية إضافة إلى ست دول تتخذها لغة وطنية وهي تركيا وإيران والنيجر وقبرص ومالي والسنغال، ولا بد من الإشارة إلى أن عدد متحدثي اللغة العربية في أمريكا أكثر من مليون نسمة، وهذا دليل على شيوع اللغة العربية على الألسنة”.
لكن أستاذ علم اللغة يؤشر أن “العربية الفصحى تعاني من تغييب واضح في المجتمع العراقي، شأنه في ذلك شأن المجتمعات العربية عموما، نتيجة لانصراف تلك المجتمعات عن لغتهم الأم إلى اللغة الإنكليزية لغة العولمة الرأسمالية التي تهيمن على الثقافة والاقتصاد والسياسة وشتى مجالات الحياة مما أدى إلى أن تكون تلك اللغة –أي الإنكليزية- ضرورة للحياة العصرية في المجتمعات كافة”.
ويؤكد غضبان أن “النهوض بتعليم اللغة العربية وصرف الأنظار إليها يحتاج إلى تضافر جهود مؤسسات الدولة بالنهوض بالواقع الاقتصادي والثقافي والعلمي؛ لأن اللغة بنت المجتمع تنهض بنهوضه وتتقهقر بتقهقره، وترتبط عوامل ازدهارها ورغبة مجتمعاتها بالحفاظ عليها وانتشارها بإيحاء قيم الانتماء إلى تلك اللغة وأنها هوية المجتمع ومصيره في البقاء”.
يذكر أن اهتمام اليونسكو باللغة العربية بدأ باكرا، فقد قرر المؤتمر الثالث للمنظمة، المنعقد في بيروت عام 1948، اعتماد العربية لغة ثالثة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية، لأشغال هيئات المنظمة في حال انعقادها في بلد ناطق بالعربية، كما استحسن المؤتمر إدراج العربية ضمن اللغات التي تُترجم إليها محاضر الاجتماعات والدوريات ووثائق العمل.
إلى ذلك، يعدّ الأستاذ الدكتور ماجد حميد العوادي التدريسي في كلية الآداب بجامعة الكوفة، خلال حديث”، أن “اللغة العربية من أهم اللغات الحية عالميا، وهي لغة تتميز بالثراء اللغوي من حيث عدد المفردات (الكلمات) وتتكون من رصيد يفوق أي لغة أخرى في العالم، فضلا عن مرونتها في اشتقاق مقررات جديدة ومصطلحات لها القدرة على مسايرة التطور الحضاري في مجالاته المختلفة، فضلاً عن دقة تعبيرها، وهذه اللغة لها عمق تأريخي يتمثل في استقرارها وثباتها وتأصيل قواعدها، وامتلاكها رصيدا للتراث الإنساني بشكل يفوق أي لغة أخرى”.
ضعف الأثر العربي في المجتمع الإنساني والإعلام وتفكك الثقافة العربية تحت وطأة الصراعات السياسية والمذهبية وركود الإعلام العربي وتراجع المؤلفات التي تؤكد أثر وعراقة هذه اللغة فضلا عن شيوع مفاهيم إعلامية خاطئة تربط بين اللغة العربية وعدد من الحركات الإرهابية بوصف هذه الحركات تتخذ من الدين الإسلامي ستارا محرماً لتسويق صورة مشوهة عن العرب والإسلام واللغة العربية”.
ويتابع العوادي أن الاتهام “توجه نحو الثقافة العربية عامة، ومن هذه النقطة نؤكد أهمية الوعي والتوعية الإعلامية لفصل تلك الفئات الإرهابية عن الثقافة العربية وتنقية التراث الإسلامي من مخلفات التعريف والروايات التي صورت الإسلام استنادا إلى رؤية غير واقعية”.
يشار إلى أنه في عام 1960، اعترف مؤتمر المنظمة بأهمية اللغة العربية وبقدرتها على جعل منشورات المنظمة أكثر تأثيرا وجلبا للاهتمام في البلدان الناطقة بالعربية إذا تمت ترجمتها إلى هذه اللغة. وهكذا تقررت ترجمة أهم وثائق ومنشورات المنظمة إلى اللغة العربية، بيد أنَّ عام 1966 شهد تحولا مهما تمثل في اعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للجلسات مع ترجمة آنية منها وإليها في المؤتمر العام للمنظمة، وبعد ذلك بعامين تم اعتماد اللغة العربية لغة عمل في المنظمة بفضلِ جهدٍ جهيد بذله المدير العام حينها الفيلسوف الفرنسي رينيه ماه.
وشهدت دول أوروبا وأمريكا خلال العقد الماضي، هجرة كبيرة وغير مسبوقة، من بعض الدول العربية، ما أدى إلى تكوين مجتمعات عربية في تلك البلدان، وبسبب انخراطهم مع المجتمعات الأصلية، أصبحت اللغة العربية متداولة، فيما عمد بعض أبناء تلك الدول إلى تعلم مفردات أساسية للتعامل مع العرب المقيمين أو السائحين.
ومن التحديات التي تواجه اللغة العربية، ما يتعلق بمسايرة التكنولوجيا، وتتمحور أساسا حول ضعف حركة الترجمة، فالكتاب مثلا حين يصدر بالإنجليزية- وهي اللغة المهيمنة في مجال العلوم والتكنولوجيا- يُترجم إلى الفرنسية بعد ثلاث سنوات في المتوسط، في حين لا يُترجم إلى العربية إلا بعد عقدين تقريبا.