أكد الكاتب والباحث السياسي الدكتور نوري حمدان أن المواطن هو المتضرر الحقيقي من ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، داعيا الكتل السياسية إلى إتخاذ قرار بتحديد سعر الصرف كما اتفقت على رفعه سابقا.
وقال الدكتور نوري حمدان خلال مشاركته في برنامج شؤون عراقية والذي يعرض على شاشة قناة المسرى، إن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار مفاجئ للمواطنين لكنه لم يكن كذلك للقريبين من الحدث، لأنه إذا عدنا لجذر القضية في تغيير سعر صرف الدولار منذ الحكومة السابقة وورقتها البيضاء التي لم يتحقق منها شيء هي التي تسببت برفع قيمة الدولار، وذلك بتوجيهات ليس محلية فقط بل أيضا من الجانب الأمريكي.
نوري حمدان: قرار رفع سعر الدولار كان سياسيا بامتياز
وأضاف الدكتور نوري حمدان أن المتضرر الأكبر والحقيقي من ارتفاع سعر الدولار هو المواطن العراقي، مشيرا إلى أن الحكومة السابقة حينما خفضت سعر الدينار مقابل الدولار كانت تتوقع ان يكون بحدود 1450 دينار للدولار وأن تكون في الاسواق بحدود 1500 دينار ولكن إن إرتفاع أكثر من ذلك فإن هناك تلاعب بكل تأكيد.
واشار الدكتور نوري حمدان إلى أنه كان متوقعا الارتفاع بهذه النسبة، لافتا إلى أن الخبراء الاقتصاديين والسياسيين كانوا يتوقعون ذلك ومن بينهم محمد شياع السوداني رئيس الوزراء، والذي كان يحذر سابقا من أن إرتفاع سعر الدولار سيسبب مشكلات للاقتصاد لكن مع الاسف حين أصبح رئيسا للوزراء أصبح يتنصل من تصريحات وبات خاضعا لقرارات البنك المركزي والبنك الفيدرالي الامريكي ولرؤساء الكتل السياسية التي تنتفع من ذلك.
ويرى الدكتور نوري حمدان أن هناك جهتين مستفيدتين من ذلك وهي المكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب المهيمنة على السلطة، والولايات المتحدة التي تتخذ قرارات تمنع بعض المستفيدين من سهولة الحصول على الدولار، لافتا إلى أن واشنطن والبنك الدولي ومنظمات دولية حذرت من أن مخاطر ذلك على الشعب العراقي، ومن أن تغيير سعر الصرف سيؤدي إلى إرتفاع نسبة البطالة في العراق ونسبة الفقر.
نوري حمدان: مجلس النواب فاقد لدوره الرقابي بسبب الكتل السياسية
وأشار الدكتور نوري حمدان إلى ما أسماه مصلحة حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في رفع سعر الدولار، موضحا أنه في ذلك الوقت كانت هناك المكاتب الاقتصادية للاحزاب السياسية المهيمنة على السلطة وقد فقدت شيئا منها بعد ثورة تشرين وإجبارهم على تشكيل حكومة غير خاضعة لهم بشكل مطلق برئاسة الكاظمي، ولم يتمكن الاخير من إدارة الحكومة وأصبحت خاضعة لسلطة الاحزاب بشكل مطلق حيث كانوا يمنعون وصول السيولة للحكومة لتوزيع الرواتب وهو ما دفعه ووزير المالية إلى رفع سعر الدولار لجميع سيولة تمكن الحكومة من دفع رواتب الموظفين.
ووصف الدكتور نوري حمدان قرار حكومة الكاظمي بالسياسي، لأنه إن كان إقتصاديا كان يجب توفر بنى تحتية له وهذه البنى تشمل شقين بأن يكون لدى العراق مصانع ومعامل إنتاج محلي لتوفير ما يمكن توفيره للشرائح المتضررة، وأن تكون الحكومة قادرة على تأمين مفردات البطاقة التموينية للمتضررين، لافتا إلى أن فقدان هذين المعيارين يجعلان القرار سياسيا بامتياز وليس اقتصاديا.
وتابع الدكتور نوري حمدان ان المسؤولين يخرجون علينا بأعذار جاهزة بشأن أزمة ارتفاع سعر الدولار، مشيرا إلى أنه بعد إجتماع رئيس الوزراء مع محافظ البنك المركزي خرجوا ببيان يقول بأن الأزمة الطارئة وهي جاءت لأسباب فنية متعلقة بأعياد الميلاد والعطلة، مشددا على أن هذا الكلام غير منطقي فلو كان لدينا مسؤلون يستحون لما خرجوا علينا بهكذا بيانات.
وشدد الدكتور نوري حمدان أن العراق اليوم ليست لدية رؤية اقتصادية، ولا يعمل بأي نظرية من النظريات الاقتصادية، مضيفا بأن الحكومات في العراق تسعى جاهدة لجمع إيرادات النفط ويتحول العمل إلى عمل ريعي، ولا يتم إستغلال الثروات بسبب الصفقات السياسية وعدم جدية الدولة للعمل على اساس وطني، إضافة إلى فقدان العراق للبنى التحتية.
وأضاف الدكتور نوري حمدان أن هناك تراكما ماليا كثيرا والعراق لا يحتاج إلى إيرادات مالية فهناك فائض في الاحتياطي النقدي للبنك المركزي، ورغم ذلك لم يتم إقرار الموازنة في هذه السنة وموزانة 2023 لم تقر بعد وقد تقر في ربيع العام المقبل، مشددا على أن ذلك يسبب مشكلات كبيرة في سعر صرف الدولار وتعديل قيمة الدينار العراقي وتنفيذ المشاريع الاستثمارية التي من شأنها دعم الاستهلاك المحلي.
نوري حمدان: العراق ليست لدية رؤية اقتصادية
واشار الدكتور نوري حمدان أن ملايين العراقيين تحت خط الفقر وهناك اكثر من 30% من العراقيين فقراء والحكومة والقوى السياسية تتجاهل الامر لأن كل ما يهمهم بقاءهم في السلطة واستمرار نظام المحاصصة الذي يحمي الفاسدين والفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، لافتا إلى أن الفساد هو المتقدم على سوء الادارة في العراق، مشيرا إلى أن الحكومة لم تبين رؤيتها لحد الآن فيما يتعلق بالأموال الفائضة وكيف ستصرفها، لافتا إلى أنه لا يوجد أي قرار مالي يقر في قانون الموازنة إلا باتفاق الكتل السياسية وهذا يعني ضمان حصص الاحزاب من المشاريع، مشددا على أن الفساد هو الذي يعرقل أداء أي حكومة وهو محمي بالمحاصصة ويمول الاحزاب الحاكمة والمتمسكة بنظام المحاصصة.
وعن عقوبات البنك الفيدرالي الامريكي على بنوك عراقية وتأثيره على ارتفاع سعر الدولار، قال الدكتور نوري حمدان أن العقوبات الامريكية تؤثر لكن ليس بهذه النسبة، موضحا أن العقوبات التي فرضت لم تكن السبب الحقيقي لارتفاع سعر الدولار فتلك البنوك تستطيع شراء الدولار من بنوك تابعة للبنك المركزي.
وعن ضبط سعر الصرف أوضح الدكتور نوري حمدان ان البنك المركزي يتخذ إجراءات ويقوم بضخ الدولار في السوق، لكن يفترض أن تكون هناك جهات معنية في وزارة الداخلية تعمل على منه ارتفاع السعر، مؤكدا ضرورة أن يقوم الامن الاقتصادي بمراقبة السوق والقبض على من يتلاعب بأسعار العملات والمواد الغذائية للحفاظ على الامن الغذائي للمواطنين، لكن ذلك غائب لأن المستفيد من التلاعب بالأسعار جهات لها علاقات وولاءات سياسية تحميها من أي محاسبة.
وعن ما يجب أن تقوم به الحكومة حيال ارتفاع سعر الدولار، قال الدكتور نوري حمدان أنه في حال لم تكن الحكومة قادرة على خفض سعر الدولار عليها توفير مواد غذائية تساهم في تجهيز المواطنين المتضررين من ارتفاع سعر الدولار أي يتم توفير مواد البطاقة التموينية بشكل جيد ودعم بعض المواد في الاسواق من خلال خفض الضرائب، وأن تقوم بتعديل سلم الرواتب لوجود تفاوت كبير بين رواتب الموظفين، وان يكون للحكومة دور في مراقبة السوق ومحاسبة تجار الاسواق السوداء لتأمين الأمن الغذائي للمواطنين، مشددا على أن من واجب أي حكومة أن تضع خطة اقتصادية هدفها رفع قيمة العملة المحلية.
وعن غياب مجلس النواب عن المشهد وعدم عقده جلسة طارئة لمناقشة ارتفاع سعر صرف الدولار، قال الدكتور نوري حمدان أن لمجلس النواب دور تشريعي ورقابي لكن تعودنا في الدورات التشريعية السابقة ان المجلس يفقد دوره الرقابي لأن جميع الكتل النيابية مشتركة في الحكومة وبالتالي فإن مجلس النواب يكون كتل حكومية وليست كتل معارضة والرقابة الحقيقية للمجلس غُيبت وفقد دوره.
وتابع الدكتور نوري حمدان ان هناك حديث عن جمع عدد من النواب تواقيع لعقد جلسة طارئة لمناقشة الامر واستضافة محافظ البنك المركزي، مضيفا أن الجلسة يتم الحديث فيها عن مشكلات فنية إن كانت علنية وإن أصبحت مغلقة فإن محافظ البنك المركزي سيقول للنواب أن القرار لديكم وانتم من قررتم رفع سعر الدولار وليس البنك المركزي، لافتا إلى أن رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي صرح قبل يومين أن رفع سعر الدولار كانت باتفاق بين جميع الكتل، مشددا أن على الكتل السياسية اليوم اتخاذ قرار لصالح الوطن وتحديد سعر الصرف ورفع قيمة الدينار ومتابعة السوق ومنع تجار السوق السوداء من إستغلال المواطنين.
وعن إستمرار ارتفاع سعر الدولار شدد الدكتور نوري حمدان على أن الارتفاع لن يستمر لكن السعر لن يعود كما كان، فبعد أن وصل سعر الصرف إلى نحو 1600 دينار لكل دولار سيعود ليستقر عند نحو 1550 دينار أو أكثر بقليل.