الكاتب.. محمد عبد الرحمن
شاء البعض أم لم يشأ، فان حالة الهدوء النسبي الظاهري في بلادنا لا تعني استقرارا، ولا تعني رضا الناس وقبولهم وقناعتهم بما يجري.
وبرغم بعض الإجراءات المتخذة، فبالنظر الى عدم حصول تطور ذي شأن في أوضاع المواطنين فان معاناة الناس، وعلى العكس تماما، راحت تكبر وفاقمهما التضخم وارتفاع الأسعار وأزمة سعر صرف الدينار مقابل الدولار، وبقاء الكهرباء على وضعها السيء، والغاز الإيراني مسلط مثل سيف على رقاب العراقيين، كذلك سوء الخدمات العامة وازمات الوقود، فيما لم تصل سلة الغذاء “المحسنة” الى كل المواطنين.
الجانب الاخر الملفت هذه الأيام والذي يراه المواطنون امام اعينهم، هو هذه التعيينات غير المحدودة في الدرجات الخاصة، وهي لا تكرس المحاصصة الطائفية والاثنية فقط، بل والعشائرية والمناطقية، وهي تبين ان الذين كانوا ينتقدون مثيلتها ايام حكومة السيد الكاظمي يأتون الان بأكثر منها. والسؤال هنا : الا يحق للمواطن أيا كانت خياراته وانتماءاته، ان يحظى بفرصة تقديم خدماته لبلده، خصوصا ممن يمتلكون الكفاءات والتخصصات ؟ والعجيب ان هذه التعيينات الجديدة لا تخرج عموما عمن سبقت تجربتهم واكثرهم معروف بعدم الكفاءة وحتى الفشل، ويجري الآن تدويرهم من موقع الى اخر وكأنهم وحدهم من يمتلك “العصا السحرية” لحل المشاكل المستعصية، التي هم جزء منها ومن أسباب تشكلها واستمرارها؟!
غريب هذا الذي يحصل اليوم مع انطلاق “شهوة” تعيينات المستشارين. فهل هناك فعلا حاجة اليها، وان كانت موجودة فلماذا تقتصر على أسماء معينة ؟ وهل هي مطابقة للمعايير المعتمدة ؟ ام هي تعيينات لارضاء هذا الطرف او ذاك، هذه العشيرة او تلك ؟ وبجانب هذه التعيينات المستهجنة تعلو أصوات الماسكين بمقاليد السلطة ومن الأحزاب الحاكمة تنادي بالإصلاح والحفاظ على المال العام؟ فهل هذا هو الإصلاح الذين يريدون، وهل هذا هو السبيل لحفظ المال العام وتقليص الانفاق؟ مهما قدم من تبريرات فان الافراط في ذلك وتجاوز المعايير المطلوبة واحتكار هذه المواقع، هو فساد اخر وتفريط بالمال العام.
هذا فيما يستمر التجاوز على أراضي الدولة والأراضي الزراعية، الذي اخذ يمتد حتى الى الصحاري والبوادي واستغلالها بنحو اعتباطي وعشوائي.
وفي ظل حالة الحذر بين المتنفذين يأتي قرار المحكمة الاتحادية الأخير والقاضي بعدم دستورية قرار تحويل الأموال الى حكومة الإقليم، ليزيد من التساؤل عن مصير الاتفاقات التي وقعتها الأطراف التي توافقت او دعمت تشكيل حكومة السيد السوداني. وهذا الاجراء يدلل مرة أخرى على ان تفاهمات واتفاقات الأحزاب السياسية لن تكون بديلا عن الحلول القانونية والدستورية التي تمتلك صفة الثبات والديمومة، وتأخذ بمصالح المواطنين أولا وقبل كل شيء، وليس التفاهمات في الغرف المغلقة، والتي جربت سابقا ولم تزد الأوضاع الا تعقيدا.
هذه العينات من راهن الحال وغيرها تؤشر حقيقة ان مشاكل البلد ليست في طريقها الى الحل رغم حسن نوايا البعض، وهذا امر له بعده البنيوي الذي يوجب ويستلزم وضع البلد على طريق اخر مختلف، يفضي الى التغيير الشامل. ويمكن للانتخابات المبكرة ان تكون احد روافع ذلك، اذا تم توفير مستلزمات نزاهتها وعدالتها، لتعبر حقا عن إرادة المواطنين وارادتهم، بعيدا عن المال السياسي وقرقعة السلاح والدولة العميقة.
نقلا عن موقع صوت العراق