مأدبة السرد
متنفس الشتاء القارس عبر القراءة
د. ژینۆ عبد الله
حظینا في الأیام القلیلة الماضیة کمواطني إقلیم کوردستان العراق بعطلة مفاجئة في ظل أجواء شتوية أحبذها علی الرغم من أنها إقترنت بتساقط الثلوج وما رافقها من تدنّ لدرجات الحرارة الأمر الذي أدّی بالکثیر منّا الی بقاء إجباري في المنزل. غیر أنّ المکوث في البیت تحول إلی فرصة سانحة للاستمتاع بقراءة کتاب (مأدبة السرد) للكاتب والناقد والأديب والصحفي الخلوق والمجتهد الزمیل (كەیلان محمد) الذي صدر من دار قناديل العراقية في عام ٢٠٢٢. فبدی الکتاب کمتنفس الشتاء لي لکونه کتابا رائعا من حيث محتواه الغني بالمعلومات مما یجعله جدیرا بتخصیص الوقت لقراءته.
ولمن لم یقرأه بعد، فإنّ الكتاب عبارة عن مجموعة حوارات مع نخبة من المثقفين والأدباء تضمنت کل من (أنعام كجه جي وسنان أنطوان وسعد محمد رحيم ومها حسن ولينا هويان الحسن ورشا عدلي وكاتيا الطويل……) معروفین بأن لهم مساهمة فاعلة ويشهد لهم بمساع حثيثة للتنفس إبداعياً خارج الصياغات والأنساق المستهلكة کما عرّفت عنهم جریدة النهار ولديهم قراء کثر وثقل في المشهد الروائي العربي الذي یتضمن بلدان معروفة بمشاهدها الثقافیة والأدبیة والفکریة العریقة مثل العراق وسوريا ولوبنان والكويت ومصر والجزائر وتونس والمغرب.
لقد تمكن محمد من خلال أسئلة تتعلق بصنعة الرواية وحيثيات الكتابة، من إظهار الخصوصية الإبداعية لدى المشاركين في الحوار وتحدید رٶاهم وأفکارهم الإبداعیة وهو ما امتاز به الکتاب وبات من التقییمات البارزة التي أوردتها المواقع الالکترونیة في تعریفها للکتاب بغیة تشجیع القراء المحتملین للإنضمام الی کل من سبقهم بالإستمتاع من تلك المأدبة الکتابیة.
وبالنسبة لي فإن الطریقة المتبعة في إعداد الکتاب وهي المقابلة الصحفية تجدد التأکید علی أن المقابلة هي واحدة من أهم الأدوات، إن لم تكن الأهم، المستخدمة في الوصول الی المعلومات والإسهاب في معلومة حصلنا عليها من قراءة النصوص وتوضيح الحقائق ورؤية الأشياء من أكثر من منظور ومشاركة القارئ مع الأديب. وفي هذا السیاق یعتقد د. عبدالستار جواد في كتابه (فن كتابة الاخبار) بأن جودة المعلومة التي نحصل عليها من المقابلة الصحفية تعتمد بشكل كبير علی مقدار الإستعداد لهذه المقابلة. فمن المهم معرفة خلفية الموضوع الذي تتم تغطيته وهي تماما ما قام صاحبنا بتحقیقها إذ نجد أنفسنا بأننا امام المحاور النموذجي الذي یتصف بثقافة واطلاع ودراية تامة بتقنيات الرواية واسرار فن كتابة هذا النوع من النثر الادبي. فضلا عن شعور المرء بأنه لابد وأن قرأ کافة الروايات التي کتبت من قبل الذین قام بمقابلتهم والبالغ عددها ١٤ روائية. إضافة الی نتاجاتهم الأخری کدراساتهم في مجالات النقد والفلسفة والتصوف. وهذا دليل على ادراك کەيلان محمد وثقافته الواسعة بالأسئلة كما یناشدنا د. عبد الله الغذامي لکي نتحلی بتلك المهارة الأدبیة في (ثقافة الأسئلة – مقالات في النقد والنظرية ، الثقافة التلفزيونية – سقوط النخبة وبروز الشعبوي).
خاتمة القول، یمکن أن ننظر إلی مأدبة السرد کمدخل رئيسي واساسي لمن يهتم بزمن الرواية كما يقول د. جابر عصفور واسرار وتقنيات حديثة ومستقبل هذا الفن ونصائح وارشادات للراغبین بسبر أغوار هذا العالم المليء بالأسرار. وأرجو التوفیق و النجاح الدائم للزميل والصديق كەيلان محمد الذي هو أحد خريجي قسم اللغة العربية بجامعة السلیمانية وأباركه علی هذا الإنجاز الجميل وما یتصف به من لمسات جمالیة و راقیة علی أمل أن یستمر بهذا المشروع.