المسرى .. متابعات
اعداد : محمد البغدادي
منذ إقرار أول قانون للاستثمار سنة 2006، لم يتم إنشاء إلا عددا قليلا من المصانع والمشاريع التي توفر فرصا محدودة للعمل، في وقت ينمو فيه عدد سكان العراق بنحو مليون شخص سنويا، ويتوقع أن يصل العدد إلى 80 مليون نسمة خلال الـ20 سنة المقبلة، يرافقه تخرج عشرات الآلاف من الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة الذين ينضمون لجيش العاطلين برغم محاولات حكومة السوداني تعيينهم وضمهم في القطاعات المختلفة لتخفيف نسبة البطالة .
منذ عام 2003، تجاوزت الأموال المخصصة للميزانيات العامة أكثر من 1.37 تريليون دولار، غير أنه لم يتم بناء إلا عدد محدود من المشاريع الإنتاجية، فضلا عن المشاريع الإستراتيجية.
وحذر مصطفى اكرم حنتوش الخبير الاقتصادي من زيادة عدد المشاريع الاستثمارية واثقال الموازنة الاستثمارية بمبالغ كبيرة قد لاتتمكن الحكومة من تأمينها في العام المقبل.
وقال حنتوش في تصريح صحفي تابعه المسرى ، إن “صندوق التنمية العراقي سيحتوي على 20-30 تريليون وتعد هذه موازنة ممتازة وسيحصل الصندوق على 5 % في حال وجود فائض مالي من موازنة 2023”.
وأضاف ، أن “مبلغ الموازنة قد يتجاوز 160 تريليون بحيث أن الميزانية الاستثمارية للمشاريع كانت بحدود 27 تريليون، وهناك رؤية مأساوية لوزارة التخطيط لايمكن إغفالها بجعل المشاريع الاستثمارية الجديدة بالدولة بمقدار 35 ترليون دينار، وبالتالي فأن الميزانية الاستثمارية ستكون بحدود 60-65 تريليون، لكن في حال عدم وجود إيرادات في السنة الأخرى فأن جميع المشاريع ستكون متلكئة”.
وبين أن “معظم المشاريع تم بيعها لشخصيات وأحزاب والكثير منها سيكون متلكئ في العام المقبل، حيث أن إتجاه الحكومة نحو هذه المشاريع فأن العراق سيكون امام إفلاس مالي في السنتين المقبلتين، حيث لن تتمكن الدولة من الإنفاق على مشاريعها، ولكن مع توفير مبالغ في صندوق التنمية وتم المضي بالمشاريع الحالية مع إضافة المشاريع المستحقة خصوصا في مجال الإعمار والاستثمار فأن المشاريع لن تتلكئ على مدى 5 سنوات”. حسب قوله
في خطوة كان من المفترض أن تنهض بالواقع الخدمي ومعالجة أزمة السكن التي يعاني منها العراقيون على مدى عقود عن طريق انشاء مشاريع سكنية مابين متوسطة وضخمة. لكن الفساد المستشري في البلد تسبب في ضرر كبير لقطاع مشاريع الإسكان، وفاقم من أزمة العقارات في العراق , يأتي ذلك في الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون حكوميون وبرلمانيون أن “البلاد تحتاج إلى 3 ملايين وحدة سكنية لمواجهة أزمة السكن, وسط تحديات كبيرة تواجهها الحكومة في محاسبة المتورطين بجرائم الفساد.
هدر بالمليارات على مشاريع متلكئة ووهمية
وقال وليد السهلاني رئيس لجنة الخدمات والإعمار النيابية في تصريح صحفي ، في وقت سابق إن “هناك مشاريع عملاقة متلكئة تصل قيمتها الى ملايين الدولارات، ماتسبب بشلل في الوضع الخدمي مع وجود نسبة من عدم الإنجاز”. مضيفا أن “الفساد وراء تلكؤ المشاريع بشكل عام، على مستوى قطاع الخدمات الصحية أو مشاريع الماء التي أحيلت خلال السنوات الماضية”، مشيراً الى أن “الفساد يكمن بطبيعة إحالة المشاريع للشركات ومدى قدرة تلكم الشركات على انجاز العمل، إضافة الى سوء التخطيط في انشاء المشاريع، وعدم توفير الغطاء المالي الذي يتسبب بهدر بالمال العام”.
قصة المشاريع الوهمية والمتلكئة، بدأت حكايتها منذ عام 2003
الى ذلك أكد محمد قتيبة البياتي النائب الفني لمحافظ ديالى وجود أكثر من 20 مشروعا استراتيجيا واستثماريا متوقفة ومتلكئة بسبب الفساد والتي تقدر الكلفة الاجمالية لها تتجاوز 500 مليار دينار عراق ، لافتا الى أن ميزانية ديالى لعام 2021 بلغت 200 مليار دينار. من جانبه، اوضح ثامر ذيبان عضو اللجنة المالية النيابية إلى أن العراق كان من المفترض أن يشهد بعد عام 2005 ثورة عمرانية كبيرة في المجالات كافة لوجود موازنات وصفها بـ”الانفجارية”، إلا أنه أكد أن هذه الموازنات ذهبت للفاسدين عن طريق المشاريع الوهمية التي أصبحت من أخطر أبواب الفساد في البلاد، وبالتالي أدى كل ذلك إلى تراجع الخدمات العامة بشكل كبير. أما وزارة التخطيط فقد كشفت في تقارير دورية لها وجود أكثر من 6 آلاف مشروع معطل، فضلًا عن المشاريع الحكومية التي تقدر جهات أن عددها يصل إلى نحو 9 آلاف مشروع لا تزال حبرًا على ورق. بينما كشفت هيئة الاستثمار الوطنية، في (14 آذار 2021)، عن وجود 1770 مشروعاً “وهمياً” ومتلكئاً في عموم العراق.
يذكر أن محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء ، بين في وقت سابق ، أن مسؤولية مواجهة التقلبات في السوق المحلية هي مسؤولية مشتركة، وذات بعد أخلاقي ووطني، ويتحتم على الجميع الاستجابة لها، سواء في القطاع الخاص أم العام خلال ترؤسه اجتماع اتحاد الغرف التجارية العراقية، خُصص للبحث في أسباب تقلبات سعر الصرف للعملة الأجنبية في السوق العراقية وتأثيرها على المواطنين، ووضع معالجات حاسمة بهذا الشأن.
في الاثناء أكد قاسم السلطاني الخبير الاقتصادي الدكتور ضرورة إصدار قانون صارم يردع الفاسدين، مشددا على أن المحاصصة والفساد زادا من حجم الديون المتراكمة على الدولة العراقية.
وقال السلطاني خلال مشاركته في برنامج شؤون عراقية والذي يعرض على شاشة قناة المسرى، إن تراكم الديون العراقية الخارجية منها والداخلية هي بسبب السياسة الاقتصادية الخاطئة، مشيرا إلى أن النظام الاقتصادي في العراق ريعي وعشوائي وغير متكامل ولذلك حصلت التداعيات في هذا النظام الاقتصادي السيء.
قاسم السلطاني: المحاصصة والفساد زادا من حجم الديون العراقية
وأضاف الدكتور السلطاني ان النظام الاقتصادي لدينا مهجن فهو غير واضح فلا هو نظام اشتراكي ولا رأسمالي ولا إسلامي، لافتا إلى أن من تصدوا لمنصات الحكم من السياسيين قاصرون في وضع نظام اقتصادي صحيح بسبب السياسة المتعثرة والجهل في السياسة، ولذلك وقعنا في التخبط وتراكمت الديون على الخزينة العراقية.
ويستمر القطاع المصرفي الحكومي بإطلاق القروض للمواطنين والموظفين والمشاريع الاستثمارية الصغيرة، وسط استياء شعبي من قلة المبالغ المخصصة للقروض كونها لا تغطي مصاريف تأسيس المشاريع أو حتى الفائدة الكبيرة أثناء التسديد لصالح البنوك حكومية كانت أم أهلية.
ويری معظم الخبراء بالشأن السياسي والاقتصادي أن توافر العمالة الاجنبية وانتشارهم المنفلت في عموم العراق يشكل خطراً حقيقياً على المستويين الأمني والاقتصادي، فقد تضاعفت نسبة العمالة في البلاد عقب توغل القوات المحتلة و تغيير النظام ، حتى بلغ عددهم التقريبي بحدود مليون أو اكثر .
ولم تستطع المؤسسات المعنية طوال هذه المدة السيطرة على توافدهم أو حصر الأعداد النظامية العاملة في المشاريع الاستثمارية والاعداد الوافدة خلافاً لضوابط الأقامة والتشغيل من قبل ارباب الحرف والمصانع الأهلية والمحال التجارية .. ولهذا كان لابد من التعامل بإيجابية مع الموقف واستثمار هذه الاعداد لصالح البلاد وترحيل الوافدين منهم بطرق غير قانونية تباعاً .. ولا شك أن قضية العمالة الأجنبية معقدة .. فهناك أنواع عدة من العمالة الأجنبية المعاملة فعلا في العراق .. منها ما يرتبط بنشاط القطاع النفطي . ومنها مايستقدمه المستثمرون الذين أتاح لهم القانون فرصة استقدام عمالات أجنبية محددة ومنحهم اعفاءات كمركية على وفق الصيغة القانونية التي تسمح بتشغيل هذه الأعداد الكبيرة من العاملين ، بما فيهم غير المهرة .
وتعود حجة اصحاب العمل بالتمسك بالعامل الأجنبي الى استعداده للعمل ساعات غير محددة واستجابته لظروف العمل قياسا بنظيره العراقي.. فضلا عن الأمور التي قد تكون منخفضة نسبياً بالمقارنة مع أجور العامل العراقي
في حين كشف مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء، ، عن ان “إعداد مشروع قانون يتضمن استمرار تمويل المشاريع وإرساله للبرلمان، إجراء مهم وعالي المسؤولية في إقرار المشاريع التنموية الجديدة المهمة وذات الأولوية للعام 2022، وبوقت مبكر دون ربط الموضوع بتشريع قانون الموازنة العامة الاتحادية والمتوقف حالياً بسبب الظرف السياسي الراهن”.
ولفت صالح في حديث صحفي تابعه المسرى في وقت سابق الى أن إعداد الحكومة مشروع قانون يتضمن استمرار تمويل المشاريع يعد إجراءً مهماً واستثنائياً.
وتابع، “حيث تدرج عادة مثل تلك التخصيصات اللازمة لتنفيذ حزمة المشاريع الاستثمارية الحكومية الجديدة والتي تدرج في جانب الانفاق الاستثماري من الموازنة المذكورة عند تشريع قانون الموازنة نفسها، والتي لم تشرع حتى الوقت الحاضر”.
قانون الاستثمار وحده لا يضمن تشجيع الاستثمار الأجنبي، فجذب رؤوس الأموال لتطوير البنى التحتية وإدخال التكنولوجيا الحديثة يتطلب وسائل وظروفا وشروطا لابد من العمل على توفيرها في البلاد، كما يرى المستشار الاقتصادي لبرلمان إقليم كوردستان الدكتور أرشد طه.
الشرط الكافي -وفق طه- هو خلق بيئة منافسة مناسبة لتشجيع الإنتاج وخلق قيمة مضافة متأتية من الصناعات البتروكيميائية والتحويلية والصناعات الثقيلة وقطاع التكنولوجيا، فضلا عن الاستقرار السياسي والأمني كون رأس المال جبانا.
ولا يملك العراق من كل ذلك سوى قانون استثمار يتعارض مع قوانين الوزارات؛ لذلك أصبحت عملية الاستثمار عبارة عن الحصول على الأراضي وبيعها، بدلا من جذب رؤوس الأموال من الخارج.
ورغم امتلاك العراق فرصا استثمارية كبيرة ومتنوعة، فإن تدفق الاستثمار الأجنبي إليه لا يزال ضعيفا نتيجة الاضطرابات البيروقراطية الإدارية التي تسهم في تعاظم المخاطر الاستثمارية، والتي من شأنها رفع كلف رأس المال والتأمين ومضاعفته بشكل كبير مقارنة بدول المنطقة العربية، وفق الباحث الاقتصادي بسام رعد.
ويستكشف العراق المزيد من حقول وآبار النفط في أرضه بين فترة وأخرى، وكان آخرها عدة حقول وصفت بالكبيرة في منطقتي القيارة وتلعفر بمحافظة نينوى وتنتظر تحويلها إلى مصاف للنفط واستخدام الغاز كونها تضم احتياطيا ضخما من النفط والغاز، بحسب محافظ نينوى نجم الجبوري.
وأكد الجبوري في تصريحات ، أن شركة الاكتشافات النفطية العراقية مستمرة بالعمل في المحافظة، بيد أن الأوضاع السياسية والأمنية في العراق تعيق استثمارها في الوقت الحاضر.
بدوره، يقول عاصم جهاد المتحدث باسم وزارة النفط ” إن الرقع الاستكشافية أو التراكيب الهيدروكربونية (ما يطلق على رقعة يتوقع فيها كميات من النفط أو الغاز) تزداد في العراق، غير أن نشاط وزارة يتمثل باستكشاف المزيد من هذه التراكيب أو الرقع الاستكشافية، وهي مستمرة بإجراء مسوحات في المناطق التي يتوقع أنها تحتوي أو تضم تراكيب هيدروكربونية، سواء كانت غازية أو نفطية، وقد حققت تقدما في هذا الإطار”.
وأوضح جهاد في تصريح صحفي ، أن ” العمل جار على تحويل التوقعات إلى واقع “وتحصر هذه التوقعات في اكتشاف هذه التراكيب كونها تضم كميات من النفط والغاز، ثم يأتي الحفر الاستكشافي الذي يثبت كل التوقعات أو الاحتياطي الذي تضمه هذه الرقعة أو تلك، وهنا يحتاج الأمر إلى استثمارات كبيرة وشركات تخصصية عالمية، لأن الاستثمار في قطاع الغاز خصوصا يحتاج إلى خبرة وتكنولوجيا متقدمة”.