وسط النقاشات والحوارات التي أثيرت مؤخرا حول حقوق الأقليات في كوردستان وتمثيلها ببرلمان الإقليم والغبن الذي يطال أبناءهم نتيجة حرمانهم من التمثيل الحقيقي في مناحي الحياة التشريعية والحكومية والحزبية، ارتأ المسرى إعادة نشر مقال للرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، المنشور في افتتاحية صحيفة (الاتحاد)، في عددها الثامن والصادر في الـ 19/12/1992.
ويشدد طالباني في المقال على حرصه الشديد لضمان حقوق الأقليات الإدارية والثقافية في كوردستان، لاسيما التركمان والآشوريين، مبديا أسفه لعدم ضم حقوقهم في القوانين وللافتقار لمؤسسات تعنى وتهتم بحقوقهم.
وتزايدت حدة الانتقادات التي توجهها الأطراف المعنية بحقوق الإنسان بسبب عدم نيل الأقليات للتمثيل البرلماني الحقيقي، إذ تستغل جهة سياسية في الإقليم مقاعد المكونات (الكوتا) للمصلحة الحزبية.
وفيما يلي نص افتتاحية صحيفة (الاتحاد) بقلم الرئيس مام جلال:
“دفاعاً عن حقوق القوميتين الشقيقتين التركمانية والآشورية*
بقلم: جلال طالباني
يؤلمني كأي كوردي تقدمي أن لا أرى الحقوق القومية الإدارية والثقافية للقوميتين الشقيقتين التركمانية والآشورية مجسدة ومصوغة في قوانين وأنظمة كوردستانية ويؤسفني أن لا أرى مثلا مديريات خاصة تهتم بحقوقهم الثقافية والإدارية والقومية. فالقوميتان الشقيقتان للشعب الكوردي، القومية الآشورية والقومية التركمانية تعيشان منذ قرون عديدة مع الشعب الكوردي على أرض واحدة مشتركة وتتقاسمان الشعب الكوردي الضراء والسراء، فقد تعرضتا مع الشعب الكوردي إلى مظالم الغزاة والطغاة في الماضي البعيد وإلى الفظائع العفلقية الشوفينية وجرائم الأنفالات وحملات التهجير والتشريد والتبعيث والتعريب القسرية واختلطت دماء المناضلين الآشوريين والتركمان مع دماء أشقائهم المناضلين الكورد في ساحة الكفاح المشترك ضد الدكتاتورية ومن أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان.
والآن قد تحرر حوالي نصف كوردستان العراق من الدكتاتورية وانتخب المجلس الوطني الكوردستاني وتشكلت حكومة إقليم كوردستان، فما الذي يجب عمله لضمان تمتع إخوتنا وأشقائنا الآشوريين والتركمان بجميع حقوقهم القومية والإدارية والثقافية والإجتماعية وغيرها؟
يقيناً، إن ضمان المساواة التامة لجميع العائشين في كوردستان وتحت ظل الحكومة الكوردستانية الإقليمية عمل جيد ولكنه ليس كافياً أبداً. ويقيناً أن إشراك الإخوة الآشوريين في البرلمان والوزارة أمر جيد ولكنه ليس كافياً مطلقا. فعدا توفير الحريات الديموقراطية للأشقاء الآشوريين والتركمان وإعطائهم حريات العمل الحزبي والثقافي والسياسي والقومي يجب توفير الحقوق الآتية لهم:
أولا: إصدار قوانين ملزمة من المجلس الوطني الكوردستاني لضمان جميع حقوقهم القومية والإدارية والثقافية وتحريم الإضطهاد والتمييز وتجريم الإعتداء على أراضيهم وأمورهم الخاصة ومعتقداتهم و…ألخ.
ثانيا: تأسيس مديرية الثقافة التركمانية العامة وتأسيس مديرية الثقافة الآشورية العامة لضمان حقوقهم الثقافية وتدريس لغتهم وتاريخهم في المدارس.
ثالثا: إعادة الفلاحين الآشوريين والتركمان إلى قراهم فوراً وإعادة أراضيهم لهم حالا وإستخدام قوة القانون والبوليس والبيشمركة لضمان ذلك دون تردد.
رابعاً: إعتبار يوم أول نيسان عيداً قومياً لإشقائنا الآشوريين وإعتباره عطلة رسمية في كوردستان.
خامساً: ضمان الحقوق الدينية لإخوتنا المسيحيين عامة وضمان حرية العبادة وإحترام الأعياد المسيحية وإعتبارها أعياداً رسمية وكذلك تقديم المساعادات الممكنة لإعادة تعمير الكنائس والمعابد الأخرى.
سادساً: تعيين الموظفين الإداريين في النواحي والأقضية ذات الأكثرية التركمانية أو الآشورية من إخوتنا التركمان والآشوريين، وتعيين الموظفين التركمان والآشوريين في جميع الدوائر والمؤسسات لا حسب كفاءتهم ودرجاتهم فحسب، بل أيضا حسب ضمان حقوقهم الإدارية وتجاوزاً على المعمول به أحيانا ولصالحهم.
سابعاً: يجب إحترام الممثلين المنتخبين للآشوريين وكذلك ممثلي الأحزاب التركمانية والتشاور معهم في التعيينات وكل ما يتعلق بحقوقهم القومية والإدارية والثقافية و..الخ.
هذه هي بعض المطاليب العاجلة والعادلة لإشقائنا التركمان والآشوريين يجب على المجلس الوطني الكوردستاني وعلى مجلس وزراء حكومة إقليم كوردستان أن يقوما فوراً ببذل الجهود لضمانها وضمان تمتع أشقائنا بها.
إنني أكرر ماسبق لي بيانه وهو أن مصداقية الحركة التحررية الكوردية في تقدميتها وديموقراطيتها تتجسد في الموقف من أشقائنا التركمان والآشوريين ولا يجوز أبداً السماح بأي تباطؤ أو تلكؤ أو حتى إسترخاء في تجاهل الحقوق القومية والإدارية والثقافية وغيرها لإشقائنا الآشوريين والتركمان.
إنني أجدد وأكرر تضامن الإتحاد الوطني الكوردستاني المطلق مع القوميتين الشقيقتين للشعب الكوردي التركمانية والآشورية وأدعو جميع المخلصين من أبناء وبنات كوردستان إلى الوقوف بحزم ووضوح معهما ولضمان تمتعهما بحقوقهما المشروعة في ظل كوردستان المحررة، وإلا لن يكون تحررنا ناجزاً ولن تكون ديموقراطيتنا حقيقية وكاملة ولن نكون أوفياء للمقولة الخالدة بأن شعبا يستعبد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً”.
والسلام على من أتبع طريق النضال المتواصل لضمان حقوق أشقائنا الآشوريين والتركمان كاملة غير منقوصة في كوردستان الفيدرالية الإقليمية.
* افتتاحية صحيفة (الاتحاد).. العدد (8) في 19/12/1992