المسرى .. متابعات
اعداد : هناء رياض
حقوق المرأة في يومها العالمي بالعدل والمساواة وعدم التمييز تبدو في العراق ، وكأنها مجرد شعارات لأستنهاض الهمم او لتطييب الخواطر ..
فبمجرد نظرة عابرة على واقع المرأة العراقية بعد عام 2003 ، وخصوصاً في المجال السياسي ، تتأكد ان الطريق مازال طويل امام المرأة في سبيل نيل استحقاقاتها من تلك العدالة والمساواة المزعومة ، فمازالت المرأة مجرد عدد في الكتل السياسية لاتقوى على فرض رؤيتها واستقلالية قراراتها كنائبة في البرلمان مثلاً , فهي خاضعة بفعل العرف السياسي لرؤية الحزب او الكتلة التي تنتمي لها ..
وعلى الرغم من ان العراق تفوق على نفسه بمسألة الحقوق السياسية للمرأة مقارنة باوضاعها السياسية قبل عام 2003 ، الا ان مقارنة الواقع السياسي العراقي بالشعارات والطموحات التي تسعى لها النساء ، تجعلها مازالت في الطور البدائي ..
ففي عام 2020 أصدرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، والمعهد العراقي تقريرا يشير الى أن العراق قد احتل المرتبة 70 عالمياً من حيث تمثيل النساء في البرلمان. وفى حين تولت النساء بعض مواقع صنع القرار في الحكومة العراقية بعد عام 2003، لم تشغل النساء بعد أي مناصب رئاسية أو تنفيذية مهمة في الحكومة العراقية.
هكذا تحسن واقع المرأة في العراق
ان المرأة وخلال عقود مضت كانت تعاني التهميش بدرجة كبيرة ، و لعله ليس بخاف على اي متتبع لدور المراة العراقية ان النساء في العراق وبفعل الانخراط في التعليم في مرحلة مبكرة (منذ عشرينات القرن الماضي تأسست مدارس الاناث وفي اواخر عقد الثلاثينيات ولجت المراة العراقية مجالات دراسية في الجامعات كانت في تلك الفترة حكرا على الذكور في العديد من الدول فدرست النساء الحقوق والطب مثلا ) ,وبفعل التوجهات التقدمية والتحررية التي سادت في حقبة اربعينيات القرن الماضي ,فقد شاركت المراة العراقية في العمل السياسي الحزبي وشاركت في فعاليات سياسية عديدة منها عل سبيل المثال المشاركة النسوية في انتفاضة الجسر وقدمت شهيدة في عام 1948 عرفت بشهيدة الجسر, وفي عام 1952 عينت في العراق اول وزيرة وهي الدكتورة نزيهة الدليمي حيث عينت وزيرة للبلديات .
من جانب اخر ضمن الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 فرصا متساوية لكل المواطنيين ,الا انه لم يشر الى اي اليات يمكن ان تضمن او تساعد على ضمان مشاركة النساء سياسيا , ومع ذلك فقد تواجدت النساء في المجلس الوطني العراقي خلال الفترة 1980-1995 حيث بلغ حجم العضوية 9 عضوات ومثلت سنة 1990 اعلى نسبة مشاركة اذ بلغت 13,2%من مجموع الاعضاء,اما في الدورة الخامسة للمجلس عام 2000 فقد بلغ عدد النساء 20 عضوا بنسبة 8%, وهي تعد نسبة جيدة (شكليا) قياسا بالمشاركة النسائية في المنطقة العربية اما بالنسبة لمشاركتها في الاحزاب التي كانت تنشط انذاك فكانت اسهاماتها محدودة اذ لم تزد نسبة عضويتها في الحزب الحاكم عن 5,4% فقط ..
ولم تشارك المراة العراقية في تشكيل الحكومة بمنصب وزير ,رغم ان كثيرا من مؤسسات الدولة العراقية اديرت من قبل النساء بكفاءة بفعل بروز كفاءات نسائية عراقية و انشغال الرجال في الاعمال العسكرية المتكررة او الاستعداد لها او التعامل مع اثارها ، ورغم كل ذلك ظلت السلطة الذكرية هي المهيمنة في صنع القرار سياسياً وامنياً واقتصادياً ، ويعود ذلك لأسباب عديدة ، اهمها طبيعة سيطرة النظام السياسي وهيمنته ورفضه لاي توجهات قد تقود الى التعبير عن قصور رؤيته في دعم النساء ، عوضاً عن عدم وجود منظمات نسوية مستقلة داخلياً ، فيما كان الاتحاد العام لنساء العراق منظمة تمول من قبل الحكومة وتمثل توجهاتها وتردد خطابها.
وهكذا كنا في العراق ازاء ظاهرة تستحق التوقف تمثلت في تغيييب النساء عن مواقع صنع القرار رغم الاعتماد على جهود النساء والتعويل عليها, منذ عقد السبعينات والتنمية الانفجارية مرورا بمراحل الحروب المتتالية الى عام 2003 وسقوط النظام السياسي .
المرأة الكوردية انعكاس لواقع افضل..
على جانب المعارضة السياسية كان الامر يبدو أكثر انفتاحاً في كردستان العراق ، ويعود ذلك لحقبة المناهضة السياسية ، والتي شاركت بها المرأة ، كما انها تعرضت للاعتقالات والاعدامات وسجت في السجون ,الا انها لم تكن في مواقع قيادية الا بنسب ضئيلة جدا لاتكاد تذكر سواء في الاحزاب الاسلامية او في الاحزاب الليبرالية , وقد برزت النساء في فترة نضال الاحزاب الكردية ضد الديكتاتورية فأسهمت بفعالية في العمل العسكري ضمن قوات( البيشمركة) حيث تركت الازواج والاطفال والتحقت بالعمل العكسري في جبال كردستان ,وشاركت بفاعلية اكبر في انهاء الحرب الاهلية وساهمت في بناء السلام في الاقليم ,وانخرطت في العمل الحزبي بشكل ملحوظ وشاركت في مواقع صنع القرار ففي الفترة من 1992_2004 بلغت نسبة تمثيل النساء في المجلس الوطني لكوردستان العراق7% .وشاركت النساء في حكومة اقليم كوردستان فعينت اول وزيرة وهي السيدة كافية سليمان وزيرة للبلديات في عام 1996 وعينت العديد من الوزيرات ووكيلات الوزارات وبمناصب قائمقام ومدير ناحية والقاضيات . وقد حددت نسبة تمثيل النساء في برلمان إقليم كردستان قانونياً بـ30%. فقط ، لكنها نسبة “جيدة” مقارنة بمجلس النواب العراقي الذي حدد نسبة تمثيل المرأة 25% ، اما السلطة التنفيذية، فتمثل نسبة المرأة في الكابينة الحكومية الحالية بإقليم كردستان وفيها 3 وزيرات، “جيدة” مقارنة بالحكومة السابقة التي منحت المرأة وزارتين فقط ، وتشارك اليوم 29 نائبة من اصل 111 في برلمان كوردستان وثلاثة وزيرات من حكومة تتالف من 40 وزارة .
أسباب سياسية واجتماعية ..
وعن احد اهم اسباب عدم مشاركة المرأة في المواقع السيادية ضمن الرئاسات الثلاث في الحكومة العراقية ، تقول الناشطة الحقوقية سمر الفيلي للمسرى ، ان نسبة تمثيل المرأة في المراكز العليا انخفضت عن السنوات السابقة ، رغم ان المشاركة النسوية ضمن الانتخابات البرلمانية ازدادت بنسبة جاوزت الكوتا ، وهذا يضع عدة علامات استفهام ، ففي حين كانت هناك ثمان وزارات تناقصت تدريجياً على وصلت اليوم لوزارتين فقط ، عازية السبب لسيطرة الاحزاب الاسلامية على المشهد السياسي العراقي وخضوع المرأة بالدرجة الاساس لمفاهيم واعراف مجتمعية خاطئة ،
في حين ترى المهتمة بحقوق المرأة العراقية احلام الربيعي ، إن “المرأة العراقية أخذت مساحة جيدة في مجالات عدة، لا سيما المجال السياسي، فأصبح لها تمثيل في مجلس النواب، فضلاً عن تسلمها مناصب عليا في الوزارات والحكومات المتعاقبة في النظام الحالي، هذا الدور لم يكن موجوداً بالشكل الذي هو عليه الآن، إلا في قطاعات محددة كالتعليم والصحة”.، وان دخولها المعترك السياسي وترشحها في البرلمان العراقي ، عوضاً عن تسلمها بعض الحقائب الوزارية ما هو الا دليل على تجاوز الاصعب في مسيرتها ، ولم يتبق الا خطوات قليلة لتحقيق حلمها بستنم المناصب السيادية ، مستدركة بالقول: ان الامر يحتاج لوقت فقط ولاعوائق كثيرة امام تحقيقه ..
ضرورة تواجد المرأة سياسياً ..
المشاركة الهادفة للمرأة لا تعني فقط زيادة عدد النساء في الحياة السياسية، لكنها تعنى أيضا العمل على تغيير الأعراف والممارسات المجتمعية التي تؤثر على المرأة. ومن ثم، فإن اعتماد تشريعات مؤيدة للمرأة من شأنها أن تسمح لها بمعالجة القضايا التي تهمها بشكل خاص مثل العنف المنزلي، والتمييز في محل العمل حيث تواجه المرأة العراقية تمييزا صارخا ومضايقات وترهيب في محل العمل، ومن ثم، يجب العمل على معالجة تلك القضايا حيث أن معالجتها قد تساهم في زيادة المشاركة السياسية للمرأة.
هناك ضرورة ملحة لأن تحصل المرأة على المزيد من الحريات السياسية اللازمة لتحسين أوضاعها ومعالجة القضايا التي تؤثر عليها. على هذا النحو، لا تزال هناك حاجة ماسة لإبرام إصلاحات جدية تهدف الى تذليل العقبات التي تحول دون المشاركة الفعالة والهادفة للمرأة في الحكومة العراقية، بما في ذلك إصدار التشريعات المؤيدة للمرأة، وزيادة مشاركتها في قيادة الحزب، وتنظيم حملات دعوية من قبل منظمات المجتمع المدني تدعوا لتوليها المناصب العامة. ومع ذلك، سيتطلب تحقيق هذه الأهداف فهم حقيقي لطبيعة العوائق التي تواجه هؤلاء النساء اللاتي يسعين حاليا للانخراط بشكل فعال في الحياة العامة.