اعتراض الثنائي الشيعي على البيطار يفجر الشارع
فجرت إجراءات المحقق العدلي في ملف مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، التوتر السياسي على خلفية الانقسام في الشارع، واندلعت يوم الخميس اشتباكات أسفرت عن مقتل 6 أشخاص، وإصابة العشرات بجروح، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية وبنادق القناصة، واتهم “حزب الله” و”حركة أمل”، حزب “القوات اللبنانية” بالمسؤولية عن الاشتباكات، فيما اعتبر “القوات” أن “السلاح المتفلِّت” هو السبب الرئيسي لهذه الأحداث.
وتحولت منطقة الطيونة الفاصلة بين الأحياء التي تسكنها أغلبية مسيحية في عين الرمانة وأخرى تسكنها أغلبية شيعية في الشياح، إلى ساحة حرب حقيقية، تدخّل الجيش اللبناني والدفاع المدني مراراً لإجلاء المدنيين فيها، فيما ألزمت الاشتباكات طلاب مدرسة تقع في فرن الشباك على الاحتماء في الرواق بين الصفوف. وأفادت مصادر متقاطعة، ميدانية وعسكرية، بمقتل 6 أشخاص، بينهم امرأة أصيبت بطلق ناري أثناء وجودها في منزلها.
وتدخل الجيش للفصل بين المشتبكين، فيما تابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من غرفة عمليات قيادة الجيش في وزارة الدفاع مجريات الأوضاع من قائد الجيش وأعضاء مجلس القيادة. وقال ميقاتي إن “الجيش ماضٍ في إجراءاته الميدانية لمعالجة الأوضاع وإعادة بسط الأمن وإزالة كل المظاهر المخلة بالأمن وتوقيف المتورطين في هذه الأحداث وإحالتهم على القضاء المختص”.
وأكد بسام مولوي وزير الداخلية اللبناني بعد الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن المركزي، أن “السلم الأهلي ليس للتلاعب”، مشدداً على “ضرورة اتخاذ كامل الإجراءات”. وقال إن “الإشكال بدأ بإطلاق النار، من خلال القنص، وأصيب أول شخص في رأسه”.
مشدداً على أن “هذا الأمر غير مقبول، وإطلاق النار على الرؤوس يعد أمراً خطيراً جداً”.
وأكد أن “تفلت الوضع ليس من مصلحة أحد”، وأعلن أن “كل الأجهزة تقوم بدورها للانتقال إلى مرحلة التوقيفات كي يأخذ القانون مجراه”.
وقال: “إن منظمي المظاهرة أكدوا لنا سلميتها، والجريمة التي حصلت كانت في استعمال القنص، وتفاجأنا بأمر خطر، هو إطلاق النار على الرؤوس”.
وكان “الثنائي الشيعي” المتمثل بـ”حزب الله” و”حركة أمل” التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، قد دعيا إلى وقفة احتجاجية أمام قصر العدل اعتراضاً على إصدار القاضي البيطار مذكرة توقيف غيابية بحق النائب علي حسن خليل، وما قالاه إنه “تسييس للتحقيق” في ملف المرفأ.
بيروت تتحول إلى ساحة حرب
وبدأ التحشيد الميداني والاستعداد لحدث أمني منذ الصباح. فعلى الضفة الغربية للشارع الفاصل بين الشياح وعين الرمانة، كانت تنتشر مجموعات غير مسلحة مؤلفة من 20 شخصاً على زوايا الشوارع، تواكب التحرك الذي انطلق باتجاه قصر العدل للاعتراض على إجراءات القاضي البيطار. أما على الضفة الشرقية من الشارع، فقد تحدثت مصادر ميدانية عن تحشيد لمجموعات صغيرة مسلحة لا تتعدى 3 أشخاص تنتشر في الأحياء الداخلية. وانفجر الوضع لدى محاولة دخول مجموعات من المعتصمين باتجاه الأحياء الداخلية في عين الرمانة، حيث قوبلت بالرصاص، وأسفر ذلك عن مقتل شخص وإصابة 8 آخرين بجروح.
وقال الجيش اللبناني، في بيان، إنه “خلال توجه محتجين إلى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة – بدارو، وقد سارع الجيش إلى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها وعلى مداخلها وبدأ تسيير دوريات، كما باشر البحث عن مطلقي النار لتوقيفهم”.
وقال “حزب الله” و”حركة أمل”، في بيان مشترك، إنه “على إثر توجه المشاركين في التجمع السلمي أمام قصر العدل استنكاراً لتسييس التحقيق في قضية المرفأ، وعند وصولهم إلى منطقة الطيونة، تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قبل قناصين متواجدين على أسطح البنايات المقابلة، وتبعه إطلاق نار مكثف أدى إلى وقوع شهداء وإصابات خطيرة حيث إن إطلاق النار كان موجهاً على الرؤوس”.
وقال الحزبان الفاعلان في الطائفة الشيعية: “إن هذا الاعتداء من قبل مجموعات مسلحة ومنظمة يهدف إلى جرّ البلد لفتنة مقصودة يتحمل مسؤوليتها المحرضون والجهات التي تتلطى خلف دماء ضحايا وشهداء المرفأ من أجل تحقيق مكاسب سياسية مغرضة”.
ودعا الحزبان “الجيش اللبناني لتحمل المسؤولية والتدخل السريع لإيقاف هؤلاء المجرمين. كما يدعوان جميع الأنصار والمحازبين إلى الهدوء وعدم الانجرار إلى الفتنة الخبيثة”.
وسرعان ما تدهورت الأمور، حيث سمعت أصوات انفجارات ناتجة عن انفجار 4 قذائف “آر بي جي”، بالتزامن مع رشقات نارية متواصلة لأكثر من ساعتين، وتركزت بعدها على بناية تفصل بين الشارعين في طريق صيدا القديمة. وأظهرت صور متداولة عبر شاشات التلفزة إطلاق نار من أسلحة رشاشة باتجاه البناية، فيما أظهرت صور أخرى وجود قناصة على أسطح عمارة مرتفعة تقع خلفها.
وتواصلت الاشتباكات حتى بعد الظهر، رغم تحذيرات الجيش من أن وحداته المنتشرة “ستقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرقات وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار من أي مكان آخر”، وطلب من المدنيين “إخلاء الشوارع”.
لكن الشارع بقي على استنفاره، قبل أن يوجه “الثنائي الشيعي” الاتهامات مباشرة لحزب “القوات اللبنانية” بالوقوف وراء التدهور.
وقالا، في بيان، إن المشاركين في التجمع الرمزي “تعرضوا لاعتداء مسلح من قبل مجموعات من حزب القوات اللبنانية التي انتشرت في الأحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمد ما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى”.
وإذ أدان “حزب الله” و”أمل” “هذا العمل” الذي وصفاه بـ”الإجرامي والمقصود، والذي يستهدف الاستقرار والسلم الأهلي”، دعوا إلى أن يتحمل الجيش والقوى الأمنية مسؤولياتها في إعادة الأمور إلى نصابها “وتوقيف المتسببين بعمليات القتل والمعروفين بالأسماء والمحرّضين الذين أداروا هذه العملية المقصودة من الغرف السوداء ومحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم”.
جعجع يعزي الأحداث للسلاح المنفلت
وفي المقابل، استنكر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “الأحداث التي شهدتها منطقة بيروت، وبالأخص محيط منطقة الطيونة، بمناسبة المظاهرات التي دعا إليها “حزب الله”.
مشيراً في بيان إلى “أن السبب الرئيسي لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر، الذي يهدِّد المواطنين في كل زمان ومكان”.
ودعا جعجع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية “إلى إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عما جرى في العاصمة”، لافتاً إلى أن “السلم الأهلي هو الثروة الوحيدة المتبقية لنا في لبنان، ما يحتّم علينا المحافظة عليه برمش العيون، لكن ذلك يتطلب منا جميعاً التعاون للوصول إليه”.
الخارجية الأمريكية: حزب الله يقوض أمن لبنان
من جهتها اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية، “حزب الله” اللبناني بـ”تقويض أمن لبنان واستقراره وسيادته”، وذلك على خلفية أحداث العنف التي شهدتها الخميس بيروت.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، خلال مؤتمر صحفي عقده مساء الخميس: “ننضم إلى السلطات اللبنانية في دعوتها للتهدئة وخفض التوترات. تعتمد سلامة ومستقبل الديمقراطية في لبنان على قدرة مواطنيه على معالجة القضايا الصعبة بثقة في سيادة القانون والحوار السلمي”.
وتابع المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “نحن نعارض الترهيب والتهديد بالعنف ضد القضاء في أي بلد. وندعم استقلال القضاء في لبنان. يجب أن يكون القضاة في مأمن من العنف والتهديدات، ويجب أن يكونوا في مأمن من الترهيب، بما في ذلك الترهيب من قبل حزب الله”.
وشدد: “أكدنا على الدوام بكل وضوح أن “أنشطة حزب الله الإرهابية غير المشروعة تقوض أمن لبنان واستقراره وسيادته”.
السعودية تتابع باهتمام
وأصدرت المملكة العربية السعودية، الجمعة، بيانا بخصوص الأوضاع المضطربة التي يشهدها لبنان.
وأوضحت وزارة الخارجية أن المملكة تتابع باهتمام الأحداث الجارية هناك، وتعرب عن أملها في استقرار الأوضاع بأسرع وقت، مؤكدة وقوف المملكة التام وتضامنها مع الشعب اللبناني.
وقالت الوزارة في بيان لها أن السعودية تتطلع إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام، بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة، وتقوية الدولة لصالح جميع اللبنانيين دون استثناء.
وأكد البيان على أن الشعب اللبناني يستحق استقرارا في وطنه، ونماء في اقتصاده وأمنا يبدد الإرهاب.