المسرى :
تقرير : وفاء غانم
شريان الحياة هكذا يلقب نهرا دجلة والفرات لأهميتهما بالنسبة للعراقيين, فهما المصدران الرئيسيان لمياه الشرب والري والتنقل لكثير من المحافظات والقرى, لكن على ما يبدو وبحسب المعطيات فان بلاد الرافدين سيصفى بدون رافدين.
العراق أرض بلا أنهار في 2040 وفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي”
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض ومقره لندن في مايو الماضي، إن “منسوب نهر الفرات، الذي يصنفه القانون الدولي نهرا دوليا يعبر عدة دول، انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر.
نهر دجلة الحيوي والاستراتيجي
هو ثاني أكبر أنهار غرب قارة آسيا، وجغرافيًّا محاط بأربعة دول، وهي إيران والعراق وتركيا وسوريا. كما أنه يشكل نظامًا نهريًّا مع نهر الفرات يحوط منطقة بلاد الرافدين (ما بين النهرين) في منطقة الهلال الخصيب. وهو أحد الرموز التاريخية في الحضارات القديمة، لما كان له من دورٍ حيويٍّ في أيّام القحط والجفاف آنذاك.
قرى ستصبح مجرد ذكريات
بناء السدود وقلة الامطار في الاونة الاخيرة ،كانت من ابرز الاسباب التي قلصت يوما بعد آخر المساحات الخضراء الشاسعة التي كانت تحيط بالمدن والمحافظات العراقية, حيث باتت مشكلة التصحر في البلاد وزحف الكثبان الرملية تطارد الحكومة العراقية و تؤرق المختصين، في ضوء تنامي المؤشرات بشأن ذلك، وسط تحذيرات لمراقبين من أن العام 2030 سيشهد دخول الرمال إلى شوارع المدن، في ظل ما أسموه “ضعف” التعامل مع هذا الملف الخطير.
وطال التصحر “نسبة 69 في المئة من أراضي العراق الزراعية”، وفق مدير قسم التخطيط في دائرة الغابات ومكافحة التصحر المهندس الزراعي سرمد كامل لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقررت وزارتا الزراعة والموارد المائية في العراق، تخفيض المساحة المقررة للزراعة في الموسم الشتوي 50 في المئة عن العام الماضي، وذلك بسبب قلة الإيرادات المائية.
ويفقد العراق سنويا نحو 100 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة ، نتيجة التغير المناخي في العالم والعراق ,فضلاً عن الاستخدام الجائر للتربة واستخدام الأساليب القديمة في نظام الري الذي سبب تملّح التربة.بحسب احصاءات للامم المتحدة.
فيما يرى مختصون ان خلال الأيام القليلة قد تتحول عشرات القرى الواقعة على ضفاف نهر دجلة إلى مجرد ذكريات بسبب السدود .
يشكك مراقبون ومحللون في قدرة العراق على التفاوض مع الدول الجارة .
صراع عراقي خجول مع الجارتين
وكانت بغداد قد أعلنت في وقت سابق العام الحالي، أن إيران “قطعت المياه بشكل تام عن العراق”، ملوحة باللجوء إلى المجتمع الدولي في حال استمرار الوضع, فيما شكك مراقبون في قدرة الحكومة المركزية في بغداد على التأثير في قرار طهران الأخير.
وقال وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني إن “الإطلاقات المائية من إيران بلغت صفرا”، فيما أشار إلى “اتخاذ حلول لتخفيف ضرر شح المياه في محافظة ديالى” شرقي العراق.
الخطوتان الوحيدتان اللتان قام بهما العراق، كانتا شكليتان إلى حد كبير، إذ أرسلت وزارة الموارد العراقية مذكرة للجانب الإيراني، تطالبه بالالتزام بالبروتوكولات والاتفاقيات التي بين البلدين بشأن المياه المشتركة.
وفي المقابل، لم ترد إيران على خطوات العراق.
فيما اعتبرمراقبون هذه الخطوة تجاوزا واضحا لكل القوانين والأعراف التي تُنظم حقوق الدول في الأنهار العابرة للحدود.
وتعاني أغلب المحافظات العراقية من موجة جفاف غير مسبوقة، نتيجة قطع إيران روافد نهر دجلة، وتعد المحافظات القريبة من إيران والمعتمدة على تلك الروافد الأكثر تضرراً من غيرها.
يشار إلى أن الأراضي الصحراوية في محافظة المثنى تشغل مساحة 90 بالمائة من مساحة المحافظة، التي تشغل 11 بالمائة من مساحة العراق
سد اليسو
من جهتها بنت الحكومات التركية المتعاقبة 22 سدا على نهرى دجلة والفرات ، ما أدى الى تهجير أبناء مئات القرى وأُجبر مئات الآلاف منهم على الهجرة إلى المدن الكبرى غربي البلاد.
ومن بين هذه السدود، سد إليسو الذي بلغ كامل طاقته في ديسمبر 2020 وظهرت ملامحه واضحة على نهر دجلة الذي تأثرت إمداداته المائية وعانى جفافا
ويعد سد إليسو من أكبر السدود المقامة على نهر دجلة، بطول 1820 مترا وارتفاع 135 مترا وعرض كيلومترين، وتقدر مساحة حوضه بـ300 كيلومتر مربع.
ويستوعب سد إليسو في حالة امتلائه كليا بالمياه ما يقرب من 20.93 بليون متر مكعب، وسيولد 1200 ميغاوات من الكهرباء، ليصبح رابع أكبر سد في تركيا من حيث الطاقة الإنتاجية.
وفي السياق قال وزير الزراعة وشؤون الغابات التركي، بكر باكدميريلي، إن بلاده بدأت توليد الكهرباء من محطة سد إليسو بسعتها القصوى,مشيرا إلى أنه تم تشغيل أول توربين بالمحطة في مايو 2020بمشاركة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وأوضح أن المحطة بدأت تعمل بطاقتها القصوى، مع البدء بتشغيل كافة التوربينات الموجودة، وعددها 6، اعتبارا من 23 ديسمبر2020، ولفت إلى أن المحطة ستساهم في دعم اقتصاد البلاد بـ2.8 مليار ليرة تركية سنويا (نحو 365 مليون دولار).
ووافقت السلطات التركية على بناء السد قبل 23 عاما من أجل توفير الكهرباء في المنطقة التي أقيم بها، غير أن تشغيل أول توربين في المنشأ بدأ فقط في مايو 2020 .
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال، خلال افتتاحه سد إليسو المقام على نهر دجلة بولاية ماردين جنوب شرقي تركيا، إن حماية موارد تركيا المائية وإدارتها على نحو صحيح لم تعد خيارًا وإنما هي ضرورة.
ولاقى مشروع إقامة السد معارضة قبل بعض النشطاء، وذلك لأنه تسبب في رحيل نحو 80 ألف شخص عن 199 قرية في المنطقة. بحسب وكالة “رويترز”،
وفي المقابل، أعربت سلطات العراق المجاور عن مخاوفها من أن تؤثر إقامة السد على إمدادات المياه من النهر إلى البلاد.بحسب الاناظول
وفي سياق متصل قال المتحدث باسم الوزارة علي راضي، قال في تصريح صحفي ، إن “سد أليسو التركي لم يؤثر على إيرادات العراق المائية، لأن السد جرى إملاؤه عملياً في العام 2019، وكان ذلك العام وفيراً ورطباً” . مبيناً أن “الخطورة تكمن في المشروع التركي الجديد، وهو إنشاء سد الجزرة جنوب سد أليسو، وهناك توجد مشاريع زراعية وإروائية بنحو مليون دونم تستهلك كميات كبيرة من المياه. حسب قوله
السد القاتل او الكارثي
وقامت تركيا مؤخرا ببناء سد “الجزرة” الذي يعتبر مكملاً لسد اليسو، ويعد أكثر خطورة وتأثيراً علـى مستقبل العراق المائي والبيئي والزراعي، فهو يقع الى جنوب سد اليسو بمسافة (35) كم وعلى مسافة (4) كم شمال مدينـة الجزرة قرب الحدود السورية، ويبلغ حجم الخزن الكلي للسد (1,2) مليون متر مكعب، وتبلغ قدرة محطته الكهرومائية (240) ميكاواط.
الغرض من هذا المشروع هو إنتاج الطاقة الكهربائية وارواء الأراضي الزراعية وتحويل قسم كبير من الأراضي الديمية (500) الف دونم الى أراض اروائية، حيث سيتم تحويل جميع المياه إلى اراضي هذا المشروع قبل عبورها الحدود الدولية (التركية – العراقية) وسوف يؤدي إلى انعكاسات خطرة على بيئة العراق وحرمان الكثير من السكان القاطنين على ضفاف النهر حتى من امدادات مياه الشرب. بحسب المختصين
كارثة لا يحمد عقباها
وحذر مراقبون ومعنييون من هذه الخطوة لما لها من انعكاسات سلبية وربما كارثة لايحمد عقباها .
ومن جهتها اعربت وزارة الموارد المائية في العراق في وقت سابق ، عن تخوفها من نوايا تركية لإنشاء سد جديد على نهر دجلة سيكون أخطر على العراق من سد أليسو.
وقال مدير عام الهيئة العامة للسدود والخزانات في وزارة الموارد المائية كاظم سهر في تصريحات صحفية, إن “الجانب التركي يعتزم تنفيذ مشروع سد الجزرة على نهر دجلة وهذا المشروع نحن نتخوف منه أكثر من تخوفنا من سد أليسو، حيث ان الأخير سد لتوليد الطاقة ويتم إطلاق مياهه بين فترة وأخرى بينما سد الجزرة إروائي”.
وأضاف أن “الطبيعة الاروائية لسد الجزرة تشكل خطراً لأنه سيحتجز حصة العراق القليلة من المياه اذا تم تنفيذه دون الاتفاق بين الجانبين التركي والعراقي”.
وأشار إلى أن “الاتفاقات العراقية – التركية بموجب مذكرة التفاهم الثنائية ما زالت قائمة ومعمول بها ففي شهر يونيو الماضي قام وفد من الوزارة بزيارة أنقرة والحصول على نتائج طيبة استثمرت في الصيف الماضي”.
وأكد أن “الجانب التركي كان يبحث عن ممولين لإنشاء سد الجزرة وطمأنوا الوزارة بأنه لن يؤثر على حصة العراق ..ونحن صراحةً نتخوف لأن الوعود في السياسة لا تطبق دائما”.
مواجهة التصحر بحفر الابار
أما بخصوص الدعوات من قبل بعض المختصين بشأن مواجهة التصحر من خلال حفر الآبار، أبدى خبراء معارضتم لهذه الرؤية، عازييين السبب ذلك إلى أن “هذه الآبار تعد احتياطياً مائياً للأجيال المقبلة، أما نحن فلدينا الحقوق المائية التي يجب أن تداعي بها الحكومة العراقية.
السياسة المائية الفاشلة وضعف المفاوض العراقي
يرى مراقبون أن السياسة المائية في العراق فشلت طوال السبعة عشر عاما الماضية في ادارتها لهذا الملف ، ولم يكن لدى السلطات الحكومية أي خطة لتأهيل السدود وإنشاء خزانات ماء يمكن أن تكون رافدا مهما لنهر دجلة والفرات الذي يعتمد عليهما العراق بشكل أساسي بنسبة 100%، من حيث مياه الشرب ومياه الزراعة، وما يخدم استمرار الحياة.
مبينين أن الأمريقف عند فشل السياسات المائية، بل تعدى ذلك إلى استهداف نهر دجلة والفرات بتصريف مياه الصرف الصحي بشكل مباشر فيهما، فضلا عن تضييق الأنهار والروافد التي تصب فيه، وكذلك بعض السياسين استغلوا الفوضى وعدم تفعيل قوانين الموارد المائية مما دفعهم لدفن اجزاء من نهر الفرات ونهر دجلة وبناء منازل كبيرة لأطراف سياسية متنفذة.
فيما اشار مستشار وزارة الموارد المائية عون ذياب حالة “الضعف” بالنسبة للمفاوض العراقي أمام ما يصفه بالتزمت التركي في مسألة عقد اتفاقية بين البلدين، لتحديد حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات.
ويضيف أن حالة الضعف التي تتملك المفاوض العراقي “ناتجه عن ضعف الحكومات المتعاقبة”.
التفاوضات العراقية التركية مازالت قائمة والتي يجريها وفد عراقي برئاسة وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، مع الجانب التركي للتباحث بشأن حصص المياه وتقسيمها بين البلدين, بحسب مصادر اعلامية
ويرى خبراء في هذا الشأن ان “الجهات العليا في الدولة لا تمتلك المعلومات الكافية عن موضوع المياه ولم تتبن هذه المشكلة بشكل يليق بحجمها، بسبب الوضع غير المستقر والوضع الاقتصادي المتأزم”.
ومنذ عام 2017، أدى نقص المياه في العراق إلى اتخاذ إجراءات مثل تحجيم الاراضي الزراعية ، ودفع مزارعين إلى هجر أراضيهم، كما شهدت مدنن اخرى احتجاجات استمرت شهورا بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.
وبحسب صحيفة تايمزالبريطانية أن حرب المياه الأولى قد اقتربت بشكل ملفت وغير مريح، وأن الجفاف والهجرة والتغيير المناخي عوامل تهدد بأعمال عدائية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا.