المسرى :
تقرير : وفاء غانم
في ظل الظروف التي يمر بها العراق من ازمات وواقع ملئ بالتحديات من ناحية الاقتصاد والصحة والسكن وغيرها , يشهد عدد السكان ارتفاعا كبيرا ، حذر منه الكثير من المراقبين والمختصين.
وأعلنت وزارة التخطيط في وقت سابق تسجيل 1.25 مليون ولادة جديدة حية خلال عام 2020، مقابل 224 ألف وفاة فقط، ليتجاوز عدد سكان العراق الـ41 مليون نسمة.
بنى تحتية محدودة
ويرى مختصون ان التحدي في ارتفاع عدد السكّان يكمن في تراكم الأزمات المتعلقة بالخدمات والسكن والصحة، حيث ما زالت البلاد تعتمد على بنى تحتية مصمّمة لعشرين مليون نسمة، ومنذ سنوات طويلة لم تشهد البلاد أي مشاريع حقيقية للخدمات المتعلقة بالتعليم والصحة والإسكان والطرق والجسور.
وتقدّر حاجة البلاد حالياً إلى 5 ملايين وحدة سكنية لمعالجة أزمة السكن الخانقة في العراق، وسط حديث عن حاجة ملحّة لنحو 10 آلاف مدرسة، عدا عن 900 مستشفى وأكثر من ألفي مركز صحي، لتتمكن من استيعاب حاجة المواطنين للخدمات الرئيسية.
ومن أجل كبح جماح هذا الارتفاع الكبير في عدد السكان، أطلقت وزارة الصحة العراقية استراتيجية لتنظيم الأسرة العراقية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان تمتد من عام 2021 وحتى عام 2025، تتضمن سلسلة خطوات لتنظيم حياة الأسرة العراقية بشكل ينسجم مع وضعها المالي ويمنعها من الإقد ام على الإنجاب من دون تخطيط مسبق.
وفي السياق قال وزير التخطيط العراقي خالد البتال، في مؤتمر صحفي في سبتمبر/أيلول الماضي، ، إنّ بلاده تتّجه إلى إعداد برنامج تنظيم الأسرة عبر تحديد الولادات في العراق، ضمن خطة معالجة أزمة السكن المتفاقمة في البلاد.
وأوضح البتال أنّ “زيادة النسبة السكانية بالبلاد من أكبر المشاكل التي يعاني منها العراق”. وأشار إلى أنّ “اللجنة العليا للسكّان تتّجه لوضع برنامج خاص بقانون الموازنة للعام 2022 لتنظيم الولادات في المجتمع”.
وأقرّ في الوقت ذاته بأنّ “البعض يتحسّس من تقليل الولادات وتحديد النسل، وسنعالج ذلك بالفترة المقبلة”، في إشارة منه إلى اعتراضات سابقة لرجال دين على خطة تحديد النسل.
من جهته قال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي في تصريح صحفي في وقت سابق, إنه “ليس من السهولة ان نتحدث عن اصدار تشريع او قانون تحت عنوان تحديد النسل في العراق”، مشيرًا إلى “وجود موانع وتحديدات كثيرة”.
واوضح الهنداوي ان “طبيعة المجتمع العراقي والمنظومة القيمية التي تحكمه تجعل من الصعب اصدار مثل هذا التشريع”.
جوانب سلبية
وبين الهنداوي أن “هنالك جوانب سلبية لمثل هذه التشريعات”، لافتًا إلى أن “البلدان التي شرعتها باتت تواجه مشكلة في طبيعة القوى البشرية الموجودة في تلك البلدان وبدات فئات كبار السن تتسع على حساب الاعمار الشابة وبهذه تفقد الدولة القدرة الانتاجية”.
واضاف انه “في ظل اتساع طبقة الشباب في المجتمع العراقي نريد ان نستثمر الطاقة الشبابية تنمويا”. وفق قوله
تثقيف مجتمعي
وحول وجود بدائل لتخفيف من التزايد السكاني، أشار الهنداوي إلى أن “التخطيط تتجه نحو التثقيف المجتمعي والتوعية نحو تقليل الولادات لتكون أعداد الاسرة مناسبة”، مبينًا أن “متوسط الاسرة في العراق يتجاوز٦ افراد من ٤ اطفال وابوين، والعدد يبدو كبير بالنسبة إلى النمو السكاني البالغ 2,6”.
رفض عشائري
ولقى قرار تحديد النسل رفضاً عشائرياً ومجتمعياً، لاسيما في محافظات الوسط والجنوب وغرب وشرقي البلاد، متعكزين في ذلك على الأعراف العشائرية والاسلامية، والتي ترى أن ارتفاع عدد السكان مصدر فخر وقوة لهذه المجتمعات.
من جهة أخرى، يعتبر مختصون بالموارد البشرية أن زيادة الوعي لدى العراقيين بأهمية تحديد النسل هو الأساس في السيطرة على ارتفاع معدلات الإنجاب في العراق
انفجار سكاني
الى ذلك قالت عضو لجنة المرأة والأسرة في البرلمان العراقي السابق انتصار الجبوري في تصريح صحفي إنّ “الكثير من البحوث والدراسات والنقاشات أشارت إلى إمكانية حصول انفجار سكاني خلال السنوات المقبلة في العراق، يقابله ضعف إدارة الإمكانات المالية والثروات، ما ينعكس بشكل سلبي على واقع المجتمع بزيادة حالات الفقر، مقابل زيادة في أعداد الأسر التي تعيش تحت هذا المستوى”.
جهات تمنع وضع حلول
وحمّلت الجبوري المؤسسات والدوائر المعنية التي تهتم بالمواضيع الاقتصادية مسؤولية “وضع حدّ لموضوع الزيادة السكانية غير الطبيعية”.
وأوضحت أنّ “بعض الجهات تمنع وضع الحلول، وهي تُدخلها في جانب ديني وشرعي، وتؤكد عدم جوازها”.
ودعت إلى أن “تكون هناك منح مالية تشجيعية لتحفيز الأسر على التنظيم، من خلال وضع سياسات حكومية محكمة لذلك”.
وتراجعت وزارة التخطيط العراقية في بغداد عن تصريحات سابقة للوزير خالد بتال في سبتمبر/أيلول الماضي، تحدّث فيها عن التحرّك لإعداد برنامج لتحديد الولادات في العراق، ضمن جملة من المقترحات التي طرحتها الحكومة لاستيعاب الزيادة السكانية الكبيرة في البلاد، والتي تجاوزت حتى يونيو/حزيران الماضي، حسب آخر تقديرات، عتبة 41 مليون نسمة.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح صحفي ، إنّ “العراق الآن غير مهياً لإصدار قانون يحدّد الإنجاب، بسبب القيم الاجتماعية التي تحكم الشارع العراقي”.
وأضاف الهنداوي أنّ هناك توجّهات لدى الحكومة حالياً بشأن “تنظيم الأسرة وليس تحديد الإنجاب أو النسل”، وأضاف أنّه “يُقصد من تنظيم الأسرة التباعد بين الولادات وتقليل الإنجاب، لضمان حياة كريمة للأطفال وضمان صحة المرأة”.
ومطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توقّعت وزارة التخطيط في بغداد أن يصل عدد سكّان البلاد في العام 2030 إلى 50 مليون نسمة، في ظلّ التقديرات السنوية للسكّان الذين يزدادون بمعدل 850 ألفاً إلى مليون نسمة في السنة الواحدة، بنسبة نمو سنوية بالغة 2.6 في المائة، مع احتمالية أن يرتفع العدد إلى 80 مليون نسمة بحلول العام 2050.
النسبة الافضل للنمو
أما بشأن النسبة الأفضل للنمو السكاني في العراق، في ظل المعطيات الحالية، قال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إنه “اذا انخفض معدل النمو السكاني إلى دون الـ2%، سيكون الوضع جيداً بهذا الجانب، ما يعني تراجع أعداد المواليد سنوياً في البلاد إلى دون النصف مليون ولادة سنوياً”.
انعدام الخطط الحكومية
وقالت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق ريتا كولومبيا معلقةً على الاستراتيجية،
“ان انعدام الخطط الحكومية وعدم وجود إدارة ناجحة، عوامل جعلت زيادة السكان عبئاً في وقت يجب أن تكون نعمة للعراق من خلال الاستفادة منهم كأيدٍ عاملة منتجة”. وزاد أن “العراق يفتقر إلى قوانين تحديد النسل، وربما من الصعوبة إيجاد مثل هذه القوانين لأنها ربما تتعارض مع نصوص إسلامية، كون الدستور العراقي وضع القرآن مصدراً أساسياً للتشريع”. وشدد على ضرورة التركيز على التوعية والتثقيف بشأن خطورة زيادة الإنجاب غير المدروس.
ويُتوقع أن يزيد عدد سكان العالم بمقدار ملياري فرد في الثلاثين عاماً المقبلة، وهذا يعني يزيد سكان العالم من 7.7 مليار في الوقت الراهن إلى 9.7 مليار مع حلول عام 2050، وأن يصل العدد إلى 11 ملياراً مع حلول العام 2100.