المسرى :
تقرير : هناء رياض
أرض خلقت لتكون مهداً لحضارات العالم , على اديمها زرعت أول بذرة وشق أول نهر , كانت ولقرون عديدة بستان يافع لكل انواع وصنوف المزروعات , يأكل من طرحها البشر والانعام والطير ..
فما الذي حدث حتى شح الزرع وقل الضرع ويبست الارض واصبح الامن الغذائي بين سندان التغييرات المناخية ومطرقة الاهمال الحكومي المتراكم !!
مفهوم الامن الغذائي
إنّ مفهوم الأمن الغذائي، وحسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) يعني “توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة”. ويختلف هذا التعريف عن المفهوم التقليدي للأمن الغذائي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محلياً. وهذا الاختلاف يجعل مفهوم الأمن الغذائي حسب تعريف الفاو أكثر انسجاماً مع التحولات الاقتصادية الحاضرة، وما رافقها من تحرير للتجارة الدولية في السلع الغذائية.
ويعتمد بشكل كُلّي على تحقيق خطوات سابقة، لا يُمكنُ القفز عليها، هذهِ الخطوات تجاوزتها بلدانٌ أُخرى أو كادت، فحقَّ لها التكلّم عن الأمن الغذائي، أمّا في العراق فمستقبل الأمن الغذائي مرهون بتحقيق إصلاح عام، من خلال خطط تنموية شاملة في ظل استقرار سياسي واجتماعي.
الادارة السياسية قتلت قطاع الاقتصاد العراقي
شهد العراق وضعاً سياسياً وإدارياً مربكاً بعد عام 2003 مما انعكس بشكل خطير على قطاع الزراعة والأمن الغذائي. فالنظام السياسي الجديد لم ينجح في إعداد برامج واضحة لإدارة الدولة أو خطط تنموية للنهوض بالاقتصاد الوطني المتدهور. على ضوء ذلك واجه قطاع الزراعة كغيره من القطاعات إهمالاً واضحاً كما هو ملاحظ من عدم دعم الإنتاج الزراعي واعتماد الدولة على الاستيراد لسد حاجة المواطن، وتشير التقارير إلى أن التركيز على الاستيراد قد كان تحت تأثير الفساد الإداري المنظم والمدعوم من جهات سياسية حاكمة مستفيدة من عوائد عقود وزارة التجارة ولو على حساب تشجيع الزراعة والمنتج الوطني.
نمو غير مسبوق بأعداد السكان تدفع العراق للتهلكة
لَقد تبلورت مُشكلة الأمن الغذائي في العقدين الأخيرين بفعل معايير خاصّة، كالنمو السكّاني المطّرَد وما ترتب عليهِ من طلب مُتزايد من المواد الغذائيّة، أو إشغال مَساحات إضافيّة من الأرض للسكن والإعمار غالباً ما تكون على حساب الأرض الزراعية المُعدّة لإنتاج المواد الغذائيّة. كذلك محدوديّة مساحة الأرض الزراعية، قياساً بالتزايد السكّاني، كما ان العراق يعد الاول عالمياً بمعدل نمو السكان بنسبة جاوزت ال 2,5 % سنوياً وهذا ما يثقل كاهل الميزانية ويقلص فرص العمل مقابل زيادة الطلب على الاحتياجات الانسانية كافة , كما ان ثبات معدّلات إنتاجية الهكتار الزراعي، ونقص المياه اللازمة، بسبب التغييرات السكّانية والبيئيّة وتأثيرات العوامل السياسيّة والدوليّة شكلت تحدياً كبيراً فاق قدرة الدولة .
هذهِ المشكلات هي حصيلة تراكم أخطاء تتطلب جهوداً استثنائية لمعالجتها، إذ بلغت مساهمة قطاع الزراعة والصيد والغابات 2.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العراق في عام 2020 وهو يشكل نسبة منخفضة جداً بالمقارنة مع معظم الدول العربية، وفقا لإحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021.
أما الوضع الاجتماعي والتركيبة السكانيّة وتدني المستوى العلمي والتقني، فالعراق يعيش وضعاً اجتماعياً لا يبعث على التفاؤل، بفعل عدم كفاءة الإدارة الحكومية لهذا الموضوع، فأثّرت بشكل لا يقبل الشك على نفسية المواطن وقدراته الإبداعية، وقد ساعد على ذلكَ الهجرات غير المنتظمة وغير المدروسة بين مختلف قطاعات المجتمع ومناطقهِ. إنّ هذهِ المشكلة، تتطلب جهداً غير عادي لإعادة تأهيل وبناء الإنسان لأنّه العمود الفقري لأي بناء وتنمية.
حلول جذرية لكنها مؤجلة
يُمكِنُ القول بوجود مقوّمات جيدة للزراعة في العراق، من مناخ ومصادر مائيّة وأراضٍ زراعيّة، وقوّة عاملة وإمكانيات ماديّة ومعنويّة. هذهِ المقوّمات تواجه مشكلات حقيقيّة، بعضها ذاتي، أي نابع بفعل عوامل طبيعيّة، كما هو في ارتفاع نسبة الأملاح في التربة، بسبب ما تحمله مياه الأنهار من أملاح خلال مرورها بالمناطق الملحيّة، وقد ساهمت عوامل ارتفاع درجات الحرارة والتبخر، وتخلّف مشاريع البزل، وسوء استخدام المياه وغياب الخطط الشاملة في تعقيد المشكلة.
وبعض المُشكلات بفعل عوامل موضوعيّة، إقليمية ودولية، كما هو في نقص كميات المياه المتدفّقة، بسبب التحكّم التركي والإيراني وغياب القانون الدولي الذي يُنظّم حقوق المياه، وعوامل داخليّة، كما هو في مشكلات التقنية الزراعية ومشكلات الإنتاج الحيواني، والوضع السياسي والتركيبة الاجتماعية، التي تأثرت بظواهر الحروب والهجرات غير المنظمة، مما انعكس على العلاقة بالأرض وأنماط استغلالها.
من أجل الاستخدام الأمثل للأراضي الزراعية، ضرورة القيام بمسح جديد للأرض لمعرفة مساحة الأرض الزراعية، وكذلك المتأثرة بالملوحة من أجل استصلاحها، وغير الصالحة من أجل المعالجة وفق المعطيات الصحيحة. ويجب إعادة النظر في البرامج السائدة، من حيث كيفية التعامل مع الثروة المائية المتاحة.
ومن الجدير بالإشارة، عملت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في العراق (فاو) استطلاعاً للرأي حول الأمن الغذائي منذ بداية الجائحة بمقابلة المزارعين والمسؤولين والشركات الصغيرة والمتوسطة، والهدف منه هو التوقف عند حالتها، حيث وجد أن 60 في المائة قد تأثروا بنسبة معينة من جائحة «كورونا» بانخفاض الأسعار وعدم الحصول على المواد الأولية وحركة الإغلاق، كما أن العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كانت في طريقها للإغلاق بسبب توقف عملها، ولكن بعد تحسن الموقف انخفضت نسبة التوقف إلى 30 في المائة.
وفي تقديري، أرى أن الاجتماعات التي ستنظم بشأن الأنظمة الغذائية والتغذية والأمن الغذائي في السنوات المقبلة، تشكل فرصاً لإعادة هذه القضايا إلى الواجهة، لكي تكون هناك مقاربات مدروسة بدرجة أكبر على المستوى العالمي لوضع سياسات واستثمارات تسمح بدراسة ومعالجة هذه القضايا في ضوء التطورات الدولية التي تحصل في مجال الأمن الغذائي والانعكاسات التي تفرضها جائحة «كورونا» وأخواتها على المشهد العالمي بكل جوانبه.