المسرى.. تقرير: فؤاد عبد الله
لماذا في هذا التوقيت تحديداً وبعد مرور 34 عاماً على مجزرة الانفال وحلبجة يظهر أحد رموز البعث المقبور ليدافع عنه؟ أليس هذا تلميع أو محاولة جس النبض لعودة حزب البعث إلى الواجهة السياسية العراقية من جديد؟ ولماذا مجرم كالخزرجي الهارب من العدالة يأتي اليوم ويدافع عن جرائم حزب البعث، في حين كانت تصريحات سابقة له يتهم حزب البعث وصدام حسين مباشرة بالمسؤولية الكاملة عن تلك المجازر؟
مسؤولية مباشرة
وفي هذا السياق يقول الكاتب والمختص في شؤون الإبادة الجماعية محمد صالح توفيق لـ( المسرى) إن ” نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق هو أحد المسؤولين عن عمليات القتل الجماعية للأطفال والنساء، بل وكان المسؤول المباشر عن عمليات الأنفال، يأتي اليوم ليقول أنهم ( حزب البعث) حاربوا التمرد الكوردي، ليبرأ حزبه المقبور من تلك الجرائم وكأن شيئاً لم يحصل”، مبيناً أن ” المدعو الخزرجي قد نجا بجلده حينها من العقاب بواسطة أحزاب في فترة الصراع الداخلي الكوردي، حيث كان من المفروض أن يعتقل ويمثل أمام القضاء( محكمة الجنايات العراقية العليا) وينال جزاءه العادل مثل أسياده لقاء ما اقترفته يداه من جرائم بحق الأبرياء من الكورد”.
هدر دماء الأبرياء
وأشار توفيق الى أن ” تصريحات الهارب الخزرجي الذي يعيش في الدنمارك حين يدعي أنه حارب التمرد والتخريب الكوردي، بسبب تعاونهم (الكورد) مع إيران، في وقت هذا الشخص يداه ملطختان بدماء الاطفال والنساء الكورد ولم يقتل البيشمركة، دفنهم أحياء في الصحراء العراقية، هل هؤلاء أيضاً كانوا متعاونين مع إيران؟ ” موضحاً أن ” كلامه بالإستهزاء والتقليل من الأرقام المعلنة بخصوص جرائم الأنفال الـ 182 ألف شخص هو هروب من الجريمة، في وقت أن سيده المجرم علي حسن المجيد قد إعترف وأقر أثناء محاكمته أن ضحايا الأنفال من الكورد لم يتجاوز 100 الف انسان بريء، وكأن هذا الرقم هو شيء بسيط ولا يعتد به”.
الشيطان
وأضاف أن ” المجرم الخزرجي يصف حزب البعث بالبريء، وأن إيران وأميركا يفتعلان تلك الأمور بقصد شيطنة الدولة العراقية آنذاك، ولكن في الحقيقة النظام العراقي كان شيطاناً ولم يسلم أحد من ظلمه وقسوته، وهذا الخزرجي كان أحد شياطينه البارزين والمتنفذين المختصين في قتل أبناء الشعب العراقي كافة”.
اليد اليمنى للنظام
أما مدير مركز دراسات الإبادة الجماعية في جامعة دهوك الدكتور سالم جاسم حاجي يقول لـ( المسرى) إن ” نزار الخزرجي هو من الشخصيات الأوائل داخل دائرة المنفذينولعمليات الإبادة الجماعية ( الانفال) بحق الشعب الكوردي عام 1988، لأنه كان قائد أركان الجيش العراقي الأسبق ما يعني أنه كان اليد اليمنى والضاربة والمنفذة لتوجيهات صدام حسين بعد علي حسن المجيد”، لافتاً إلى أنه ” كان المفروض أن يحاكم الخزرجي مثل أقرانه المجرمين في محكمة الجنايات العراقية العليا، لأن المدعو نزار الخزرجي عدا كونه المنفذ للكثير من الجرائم بحق الشعب العراقي، هو أحد المخططين وواضعي السياسات العسكرية لهكذا جرائم (عمليات الابادة الجماعية بحق الشعب الكوردي)”.
إنكار للحقيقة
ويشير حاجي إلى أنه ” من الطبيعي أن يأتي اليوم شخص مجرم مثل الخزرجي يفند تلك المجازر،لأننا شاهدنا سابقاً رموز البعث صدام وبرزان التكريتي وعلي حسن المجيد وغيرهم أثناء محاكمتهم على قضية الأنفال أنكروا الجريمة وهولها، لذلك ليس بغريب أن يظهر أحد رموز ذلك الحزب الفاشي ( الخزرجي) يعيد نفس كلامهم وينكر جريمة الأنفال”، مستطردأً بالقول إنه ” يجب اليوم تشكيل محكمة في كوردستان أو العراق تطالب بإعادة من هو على شاكلة الخزرجي ليتم محاكمته جراء ما أقترفته يداه من جرائم بحق الشعب العراقي، وليس من المعقول بعد كل الوثائق والأدلة التي تثبت تورط حزب البعث المقبور بجريمة الانفال وقصف حلبجة بالأسحلة الكيمياوية وغيرها من الجرائم ويأتي أحد جلاوزته ورموزه وينكر قيامهم بتلك المجازر”.
معلومات غير صحيحة
من جهته يقول المحامي والعضو السابق في مجلس النواب وأحد المطلعين على سير محاكمة رموز النظام البائد في قضية الأنفال بكر حمة صديق لـ( المسرى) إن” الاقاويل التي ذكرها المدعو نزار الخزرجي في أحدى اللقاءات التلفزيونية مؤخراً بأن عمليات الانفال كانت بقصد إنهاء التمرد الكوردي والقضاء على البيشمركة، هي اقاويل ومعلومات غير صحيحة وغيردقيقة، لأن ذلك المدعو عندما كان في كوردستان قبل هروبه إلى الخارج كان يتهم حزب البعث بتنفيذ تلك الجرائم ،ويسميها بالجرائم ضد الإنسانية، ولكن لماذ هذا التغيير في التصريحات والأفكار لدى الخزرجي متروك له؟، أما بخصوص المعلومات التي ذكرها في اللقاء حول عمليات الأنفال الأولى والثانية والثالثة والذي يتشرف بقيادتها، دليل على قيادته المباشرة لتلك العمليات في العمق الواسع والمباشر لقرى وبلدات كوردستان، ولكن الذين قتلوا في تلك العمليات هم سكان وقاطني تلك القرى والبلدات من النساء والأطفال ولم يكونوا من عناصر البيشمركة، وجميع الذين قتلوا بالأسحلة الكيماوية كانوا من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين ولا علاقة لهم بالحركات الكوردية”.
قتل وتسوية
وبين حمه صديق أن ” نتائج تلك العمليات التي تحدث عنها إضافة إلى قتل مواطني القرى والقصبات الكوردية، قاموا أيضاً بهدم وتسوية منازل ودور تلك القرى بالأرض، ونقل الباقين من السكان في سيارات عسكرية إلى صحراء نقرة السلمان في محافظة المثنى وقتل بشكل وحشي الآلاف ودفنهم أحياء” ، منوهاً إلى أن ” الخزرجي ونظامه وحزبه كانا متوحشين وشيطانين في لباس واحد ولا رحمة ولا ظمير في قلوبهم”، مؤكداً أن ” عمليات الأنفال التي يدافع عنها نزار الخزرجي في اللقاء شملت المدنيين فقط ولم يلق القبض أو يقتل فيها أي من القيادات الكوردية ولا المسلحين المنتمين لتلك الحركات المسلحة،لأن العملية بالأساس كانت لتصفية الكورد وتجفيف جذورهم وقلعهم من مناطق سكناهم وتهجيرهم، وما ثبت خلال عمليات محاكمة رموز البعث البائد حول قضية الأنفال لا يدع مجالا للشك لنفي أو تفنيد تورط حزب البعث المباشر بتنفيذ تلك المجازر بحق الشعب الكوردي”.
الجينوسايد
ويقول رئيس اتحاد كُتاب الإبادة الجماعية سالار محمود لـ( المسرى) إن ” جريمة الأنفال ( الجينوسايد) نفذها صدام حسين وجلاوزته بحق الشعب الكوردي في العام 1988، وبعد سقوط البعث الدكتاتوري في العام 2003 وتشكيل محكمة عليا للنظر بالجرائم التي ارتكبها البعث المقبور بحق الشعب العراقي بإسم المحكمة العليا لجرائم الإبادة الجماعية، وفتحت ملف الأنفال أمام المحكمة، وأحضور بعض من المتهمين المباشرين المخططين لتلك المجزرة من حزب البعث وعلى رأسهم صدام حسين وعلي حسن المجيد وسلطان هاشم وغيرهم، وعلى إثر التحقيقات والشهود وأوراق القضية والآلاف من الأدلة حول تلك الجريمة، أكدت جميعها أن عمليات الأنفال كانت ضد المدنيين العزل والقرى فقط، وعلى ضوئها قتل أكثر من 182 ألف مواطن من النساء والأطفال والشيوخ”، مضيفاً أنه ” لا يزال الآلاف من رفاة المؤنفلين في مقابر جماعية لم تفتح قبورهم لحد اليوم في صحارى واقعة جنوبي العراق”.
مختصون دوليون
وأكد محمود أن ” المختصين الدوليين قاموا بكشف أماكن تلك القبور الجماعية، علماً أن هؤلاء المختصين قد حضروا حينها المحكمة كشاهد إثبات لعمليات قتل جماعية نفذت بحق مدنيين في مقابر نقرة السلمان، وما حديث نزار الخزرجي المدافع عن جرائم حزب البعث المقبور ما هو إلا استهزاء بضحايا وذوي تلك المجازر، وعلى القضاء العراقي والشرطة الدولية ( الإنتربول) الا القاء القبض عليه وإعادته إلى العراق ليحاكم محاكمة عادلة على الجرائم التي اقترفها لأنه أحد المشاركين والمنفذين المباشرين لجريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الكوردي لينال جزاءه العادل مثل رموز حزبه المقبورين، وكونه اعترف في اللقاء التلفزيوني مشاركته في تنفيذ مراحل عمليات الإبادة الجماعية، وعلى المجتمع الدولي وفق الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية عام 1948 والصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة مساعدة الحكومة العراقية على إحضاره ومحاكمته”.
ضد الإنسانية
ومن جهتها تقول عضو مركز حقوق المرأة الانسانية الدكتورة مها الصكبان لـ (المسرى) إن ” جريمة الأنفال بغض النظر عن مرتكبيها، فهي جريمة ضد الإنسانية راح ضحيتها أكثر من 100 ألف شخص بريء،لذلك هي تعد كارثة دموية بحق الإنسانية، والتاريخ لا يرحم أحداً حتى وإن أنكروه اليوم، المستقبل سيؤكد ويثبت من هم مفتعلوها “.
لا مبرر يذكر
أما رئيس منظمة مردوخ للتنمية حسن الاسدي فأشار لـ( المسرى) إلى أن ” جريمة الانفال ، هي جريمة إبادة جماعية بحق الإنسانية مهما تعددت أشكالها وصورها ومبرراتها، وبالتالي الحكومات هي المسؤول المباشر عن هكذا جرائم، حيث تعود هذه الكارثة إلى عهد النظام البائد، مؤكداَ أن ” منفذي تلك الجريمة هم من رموز حزب البعث المقبور وضحاياها كانوا الآلاف من أبناء المكون الكوردي العزل”.
تصريحات متناقضة
وتأتي تصريحات نزار الخزرجي الأخيرة مناقضة لتصريحاته السابقة التي أكد فيها أن الانفال جريمة كبيرة ولا تغتفر وأن حزب البعث وصدام حسين هما المسؤلان المباشران عنها، أما اليوم يأتي يقول كلاماً مغايراً ولا يعدو كونه إنكاراً وتهرباً من الجريمة سوى ذر الرماد في العيون لأغراض سياسية أو مصالح شخصية فقط.