الكاتب والصحفي..خالد ابراهيم
بوبال هي مدينة هندية فقيرة من دول العالم المتخلفة أرادت أن تواكب رخاء دول العالم المتقدمة فإختارت لهذا الغرض شركة أجنبية في بداية ثمانينات القرن الماضي لإقامة مصنع إستثماري فيها لإنتاج المواد الكيمياوية بإستخدام التكنولوجيا الحديثة المتطورة. و على إثرها فرح سكان المدينة كثيرا ً بهذا المصنع الإستثماري الذي سيجلب الخير و السعادة لهم، و أخذوا يحلمون بإمتلاك البيوت و السيارات و أكل النستلة.
وهذا المصنع الأجنبي لم يكن يهتم بالصيانة و السلامة الصناعية لأنه مصنع إستثماري هدفه الربح فقط و لأن بوبال مدينة متخلفة لا تعرف معنى الصيانة و السلامة الصناعية لتراقب وجودهما في هذا المصنع، و نتيجة لذلك حدث إنفجار في المصنع أدى إلى تسرب غازات سامة تسببت بوفاة حوالي 8000 شخص خلال إسبوعين و بوفاة حوالي 8000 شخص آخر بعد ذلك و إصابة الآلاف بعاهات مؤقتة و دائمية أثناء الكارثة و ما بعدها، و لغاية الآن فإن مجموع الإصابات بلغت بحدود 500000 شخص. و هكذا بدل أن ينعم سكان بوبال بتحقيق أحلامهم من هذا المصنع الإستثماري فإنهم لغاية الآن يعانون من تبعات كارثة إنفجاره بولادات مشوهة تذكرهم بحلمهم القديم البسيط بأكل النستلة.
و على الجانب العراقي فمنذ اليوم الأول للتغيير لعام 2003 تعالت الأصوات الوردية المبشرة بالمستقبل الزاهر الحافل بالخير و السعادة. فهذا الصوت يدوي بأن العراق سيكون يابان الشرق الأوسط و ذاك الصوت يصدح بأن العراق سيكون ألمانيا الشرق الأوسط و صوت آخر يهدر بأن العراق سيكون لؤلؤة الشرق الأوسط بفعل المشاريع الإستثمارية التي ستقام فيه و التي ستستخدم التكنولوجيا الحديثة المتطورة. و بدأ العراقيون على غرار البوباليون يحلمون بإمتلاك البيوت و السيارات و أكل النستلة. و لكن بعد سنين من التغيير وجد العراقيون بأن حالهم أصبح أسوأ من حال البوباليون، فبدون إقامة مشروع إستثماري واحد حل الهلاك على العراق، قتل و تدمير و تهجير و ولادات مشوهة تذكرهم بحلمهم القديم البسيط بأكل النستلة. أما أصحاب تلك الأصوات الوردية التي كانت تبشر العراقيين بالمستقبل الزاهر الحافل بالخير و السعادة فإنها الآن أخذت تطالبهم بالتنازل عن حلمهم القديم البسيط بأكل النستلة. وهكذا أصبح العراق بوبال الشرق الأوسط.