ديار الطائي
أفرزت الحرب على داعش مخلفات عديدة، لعل بقاء الآلاف من العوائل في مخيمات النازحين، لأسباب مختلفة.
هناك الكثير من العوائل انتمى ذويها لتنظيم داعش، وأخرى ماتزال مناطقها مدمرة، أو عليها مشاكل سياسية، لذلك فضلوا البقاء في مخيمات النزوح، لكن معاناتهم مستمرة وبشكل كبير.
المرأة دائما هي الضحية الأكبر في الأحداث والقضايا المختلفة والحرب، لذلك برزت معاناة نساء المخيمات وتعرضهم لشتى أنواع الضغط والإبتزاز والاستغلال، من جهات مختلفة.
ومؤخراً أعادت الحكومة العراقية مئات العوائل من مخيم الهول الواقع في شمال سوريا، وتم إسكانهم بمخيم الجدعة.
وترفض العشائر إعادتهم لمناطقهم المختلفة، بحجة انتماء ذويهم لعناصر داعش، لكن الأمر ينعكس على الجانب الإنساني، فتلك العوائل وتحديدا من النساء والأطفال لادخل لهم بما اقترفه ذويهم.
استغلالٌ مستمر
وبحسب تقارير لجهات مختلفة فأن، النساء اللواتي يسكن مخيمات النزوح في محافظات نينوى والأنبار وإقليم كردستان يتعرضن للاستغلال من جهات متعددة، بينها الجهات المشرفة على إدارة المخيم أو الجهات الأمنية، أو شخصيات متنفذة، مستغلين أوضاعهم المعيشية الصعبة.
وأكدت الناشطة الحقوقية بشرى علي أن، المرأة التي تسكن المخيمات وخاصة نساء تنظيم داعش يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال الجنسي والنفسي.
مبينةً في حديثها أنه “من المعيب على الحكومة أن لاتتحرك بشكل جدي، للعمل على إنصاف المرأة في المخيمات وإعادتهم لمناطقهم وحل المشاكل والخلافات، كون بقائهم في تلك المخيمات بالأساس يتعارض مع حقوق الإنسان”.
وأشارت إلى أنه “قدمنا تقاريراً للجهات الحكومية حول تعرض العشرات من النساء لإبتزاز من مسؤولي المخيمات ومن جهات أمنية مشرفة على حماية المخيم، مستغلين سوء أوضاعهم المعيشية وظروفهم المأساوية”.
هاجر والقصة المؤلمة
في مخيم الجدعة في ناحية القيارة بمحافظة نينوى، تقول هاجر27 عاماً، (اسم مستعار)، والتي نزحت مع والدتها من مدينة الموصل عام 2016، بعد تعرض منزلها للهدم ومقتل 8 من أفراد عائلتها جراء المعارك ضد تنظيم داعش.
تتحدث هاجر عن كيفية استغلال أحد المسؤولين عن حراسة المخيم حاجة عدد من النساء المادية، أو الحاجة للحصول على الغذاء والمستلزمات الصحية الأخرى، لإقناعهن بتحقيق الرغبات الجنسية لعدد من الأشخاص من خارج المخيم، فكان هذا الشخص يعمل على عرض النساء لعدد من الرجال مقابل مبلغ مادي يحصل فيه على نسبة أعلى، ويعطي مبلغاً صغيراً جداً لتلك النساء.
كان الأشخاص المعنيين بحراسة المخيم يُسهلون خروج النساء من المخيم ليلاً إلى خارج المخيم ليتم استغلال وإبتزازهن، وتهديدهن بحياتهم أو حياة أطفالهن، في حال امتناعهم عن تحقيق الرغبات الجنسية لعدد من الأشخاص المتنفذين.
كورونا زادت من المعاناة
مع تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، أكثر ما يُثير مخاوف النساء في مخيمات النزوح هو القلق من عدم القدرة على الوصول إلى الدعم الطبي لهن ولأطفالهن، رؤية الطبيب النفسي أو التنقل كما اعتادوا من أجل الوصول إلى الضروريات، مثل الطعام والماء.
بان خليل ناشطة نسوية وباحثة اجتماعية في برامج حماية الطفل تقول “منذ عمليات تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش وأنا أسمع قصصاً مروعة لعدد من النساء اللاتي تم اغتصابهن وابتزازهن جسدياً ونفسياً، مقابل حصولهن على أبسط مقومات الحياة، من الغذاء والرعاية الصحية، مع إهمال قضايا النازحين أو استغلالها لأجل قضايا سياسية وطائفية. من المؤلم سماع أن هناك امرأة تتعرض للاغتصاب من أجل العيش في خيمة آمنة لها ولأطفالها”.
وتؤكد أنه “من المعروف أن القانون العراقي لم ينصف المرأة في أحلك الظروف، فضلاً عن احتوائه على ثغرات من شأنها السماح للمجرم أو المبتز أن يفر من جريمته، لذلك لا نعول عليه، ومن الشائع في مجتمعنا العراقي أن ثقافة الشكوى ضد المتحرش معدومة، بسبب الوصمة الاجتماعية السائدة وما إلى ذلك”.
الحاجة المادية
أحمد الزيدي صحفي وناشط في مجال حقوق الإنسان من الموصل، يؤكد أن ما يحدث من انتهاكات جسدية ونفسية بحق النازحين في المخيمات هو نتيجة الفقر وقلة المراقبة، والحاجة المادية لمتطلبات العيش من الماء والغذاء، كذلك منح النفوذ لأشخاص غير مهنيين، لإدارة المخيمات.
ويضيف في حديثه أن “وضع الانتهاكات لا يمكن إنهاؤها إلا بانتهاء أزمة النزوح، حيث أن مسألة النزوح ذات بُعد سياسي بالدرجة الأولى، وقد كشفت ضعف الحكومة العراقية لعدم امتلاكها خططاً بديلة في حالات الطوارئ التي قد تتعرض لها البلاد، ومراكز القوى في البلاد استغلت نفوذها وحاجة الناس إليها، ما أدى إلى انتشار الدعارة وتجارة النساء، نتيجة البحث عن الحماية أو الضائقة المالية”.
مبيناً أن “بعض السياسيين يحاولون زيادة حجم الانتهاكات في مخيمات النازحين لزيادة رصيدهم الانتخابي، أي استمرار معاناة النازحين لكسبها كورقة رابحة مع بداية كل دورة انتخابية، كأوراق تفاوض لدى سياسيي المكون السني، لعرضها أمام البرلمان بذريعة فشل أطراف المكونات الأخرى بحل أزمة النازحين”.
الحل الوحيد
النائبة في البرلمان العراقي ريزان شيخ دلير تشير إلى أنه، لاحل لأوضاع النساء النازحات في المخيمات، إلا بوجود إرادة قوية من الحكومة والجهات السياسية لإعادتهم لمناطقهم.
ولفتت في حديثها إلى أنه “يجب احترام معايير حقوق الإنسان وعقد صلح اجتماعي تتبناه الحكومة، وغلق المخيمات، لآن بقائها يزيد من حجم الانتهاكات وينافي حقوق الإنسان في العيش الكريم”.
وأستكملت حديثها أنه “يجب القيام بخطة دورية وتشكيل مجلس خاص يتولى إعادة النازحين للمخيمات وغلقها بالكامل”.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.