- تتعدّد القصص والمعاناة واحدة في محافظة البصرة جنوبي العراق. فهناك، حيث يخطف مرض السرطان الكبار والصغار.
وتشير تقارير طبية منها شهادات وفاة إلى ارتفاع ملحوظ بالاصابات بمرض السرطان، في قرية تُعد 4000 نسمة وتحيط بها نيران حقول نفطية تحميها نقاط أمنية.
مختار القرية بشير الجابري، الذي أُصيبت شقيقته أيضًا بالسرطان، تحدث عن بيتين يجاوران الحقل فيهما مصابون بالسرطان قضى بعضهم نحبه.
وشرح أن هؤلاء يتعايشون مع الدخان والأبخرة والغازات السامة المتصاعدة من الحقول، وأن مزروعاتهم هي الأخرى ضمرت وحالتهم مأساوية.
وتكشف تقارير كثيرة عن موت سرطاني يغزو مدينة البصرة، إلا ان وزارة الصحة العراقية عادة ما تخفف من هالة الخطر. إذ تقول إن أعداد الاصابات بالسرطان لا تتجاوز 2000 حالة سنويًا، لكن جهات رسمية أخرى تؤكد أن الرقم أعلى بكثير.
ويعرب مدير مركز الأورام في البصرة الدكتور رافد عادل عبود عن اعتقاده بأن نسبة الاصابة بالسرطان في البصرة تتراوح بين 78 و82 حالة لكل 100 ألف شخص، لافتًا إلى أن هذه الاحصائية تشمل الكبار والصغار.
في البصرة، وبحسب تقارير صادرة عن الجهات البيئية، ملوثات أصابت المدينة لأسباب عدة، كان أهمها النفط وتتبعه ملوثات أخرى كالمخلفات الحربية والصناعية والصحية.
وجعلت هذه الأمور مجتمعة البصرة تتصدر قائمة المدن الأكثر عرضة للأمراض والأوبئة.
ويقول مدير عام دائرة بيئة جنوب العراق وليد حميد الموسوي إن البصرة هي المحافظة الأكثر استخراجًا للنفط ولهذا الأمر آثاره السلبية على الواقع البيئي، لا سيما مع عدم التزام الشركات المُستخرجة للنفط بالمعايير البيئية.
ويشهد العراق منذ نحو ثلاثة عقود وبشكل تصاعدي، أزمة بيئية خانقة كنتيجة حتمية للارتفاع الحاصل في نسب التلوّث، جرّاء الحروب التي بدأت منذ عام 1980، والانبعاث من الغاز والنفط المحترق في الأجواء، في وقت تكاد الخطط اللازمة لاحتواء الضرر “شبه منعدمة”، بالمقارنة مع التخوّف والنقاش العالمي للحد من الكارثة المناخية المقبلة بجهود الجميع.
وفي لغة الأرقام، وبشأن انبعاث ثاني أوكسيد الكربون من حرق الغاز، يؤكد الأكاديمي خالد المالكي أنها “ارتفعت في محافظة البصرة من 15.39 طن عام 2004 إلى 34.24 عام 2019 أي زيادة بأكثر من 50%، لافتًا إلى أن “السياسة الاقتصادية في العراق لم تأخذ بنظر الاعتبار أهمية استثمار الغاز لتقليل التلوث، بدلًا من حرقه عند منح تراخيص الاستثمار للشركات النفطية على مدى السنوات الماضية وما زال، حيث يزداد مستوى حرق الغاز المصاحب في القطاع النفطي مع زيادة مستوى استخراج النفط”.
وبشأن التلوث الناجم عن المولدات الأهلية، فأن الباحث المتخصص يؤكد أنه، زاد من معدلات التلوث في المحافظة إلى أكثر من 8% خلال الفترة من 2020، وحتى الآن.
وفي ذات السياق، يشير إلى أن “الانبعاثات من الاستخراج النفطي لوحده ارتفعت من 95.49 طن لعام 2004 إلى 155.34 عام 2019 وبنسبة زيادة تقدر ب 50% أيضًا، معتبرًا أن ذلك يمثل “وجود علاقة متوازية ما بين ثاني أوكسيد الكربون الناتج من حرق الغاز، والاستخراج النفطي، وكلاهما يؤثر في ارتفاع تلوث الهواء الذي أدى لزيادة كبيرة في مستوى الأمراض التنفسية مثل الربو والحساسية والسرطان، حيث بلغت آخر إحصائية للمصابين بها نحو 24 ألف فرد”.
وعلى نطاق قريب، رصدت مؤخرًا شركة التحليلات الجغرافية “كايروس”، حدوث سحابة لغاز الميثان، وهو أحد غازات الاحتباس الحراري، في سماء البصرة في تموز/يوليو الماضي، تزامنًا مع حدوث تسريب في المنطقة ذاتها، وفقًا لما نقلته وكالة بلومبرغ للأنباء، التي أوردت أن “خط أنابيب تديره شركة خطوط الأنابيب النفطية العراقية قام بتسريب غاز البترول المسال في 20 تموز/يوليو 2021، بالقرب من مكان اكتشاف عمود كبير من غاز الميثان غربي البصرة”. - وذكرت الوكالة، أن “الشركة رصدت السحابة على بعد 140 كيلومترًا غرب البصرة، وقد أطلقت الميثان بمعدل 73 طنًا في الساعة.
وتحدث استبيان أجرته دائرة البيئة في البصرة عن أنواع السرطانات التي يتعرض لها سكان قرية نهران عمر، ووثق 150 حالة. في قرية لا يتجاوز عدد سكانها الـ 4000 نسمة.
ويشرح أخصائي الأورام السرطانية الدكتور ماهر جبار أن كثرة الغازات تؤدي إلى التهاب القصبات الهوائية وتاليًا إلى سرطان الرئة في المستقبل. ونبّه إلى أنها تتسبب أيضًا بسرطانات أخرى في الجهاز الهضمي والمجاري البولية.
وكانت دراسة لخمسة طلاب في الجامعة التقنية للتحليلات المرضية بالبصرة، تتبعت التوزيع الجغرافي للاصابة بأمراض السرطان في المحافظة. ووجدت أن الاقتراب من الحقول النفطية يعني ارتفاعًا في أعداد المصابين بسرطان الرئة.
وخلُصت دراسة قُدمت في كلية العلوم في جامعة البصرة إلى تحديد نشاط عالٍ في اليروانيوم 238 في عينات المصابين بسرطان الدم.
وينص قانون حماية وتحسين البيئة في العراق على وجوب اتخاذ الاجراءات الكفيلة للحد من الأضرار والمخاطر التي تترتب على عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط لحماية الهواء والمياه.
لكن مع ذلك، يؤكد مسؤول في وزارة النفط العراقي أن الشركات النفطية الأجنبية العاملة في حقول البصرة لا تلتزم بمعايير الحفاظ على البيئة من التلوث، لأن الالتزام سيجعلها تدفع مبالغ مالية طائلة ولا يمكن لأحد إجبارها على الالتزام بذلك.
وتتصدر محافظة البصرة المحافظة العراقية بعدد الإصابة بالسرطان وسرطان الدم، وتوجه مناشدات للحكومة العراقفية لضرورة إلزام الشركات النفطية على تطبيق المعاييرالصحية.
ديار الطائي
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr