الكاتب والصحفي فؤاد عثمان
يعد جريمة إبادة كهف دكان أول جريمة اقترفها النظام البعثي بعد مجئ هذا النظام إلى الحكم في العراق، ففي 19 آب/1969 وفي مخطط همجي لإبادة شعبنا الكردي، اقترف النظام المباد جريمة قل نظريها في التاريخ حيث قتل أزلام النظام قبل 53 سنة، 67 مواطنا مدنيا حرقا في كهف دكان الواقع ضمن قضاء شيخان شمال محافظة موصل، 29 من النساء 6 منهن حوامل و 37 طفلا من كلا الجنسين وعدد من الرجال و الشيوخ، ومن بين الضحايا رضيع لا يتجاوز عمره شهر وشيخا يتجاوز عمره 80 عاما، كما أفاد شهود زاروا الكهف بعد الجريمة.
وذكر شهود عيان في المنطقة أن أهالي عدد من القرى القريبة والتابعة لقضاء شيخان لجأوا الى الكهف الذي حدثت فيه المجزرة لإيجاد موطئ قدم آمن لهم في المنطقة خوفا من أزلام النظام الدموي الذي بدأ سياسة القمع والإبادة ضد شعبنا بعد مجيئه إلى الحكم في العراق و خوفا على أرواحهم، الا أن أزلام النظام أضرموا النار في الكهف و قتلوا ما فيه 67 مواطنا حرقا في جريمة قل مثيلها جريمة.
إن ملف إبادة كهف دكان من بين الملفات التي قدمت إلى المحكمة الجنائية العراقية العليا لكن ومع الأسف لم يتم البت فيها بعد تقليص مهام هذه المحكمة، عليه لابد من تحريك هذا الملف والملفات التي تتوفر فيها كافة عناصر الإبادة الجماعية المدونة في اللائحات الدولية المختصة منها إبادة أهالي قرية صوريا وقرية برجيني وقرية جلمورد وملفات مدرجة تحت جريمة الأنفال سيئة الصيت وقصف قرى باليسان وشيخ وسانان وعسكر وكوبتبة وسيوسينان وجافايةتي وغيرها من المدن الكردستانية التي تعرضت للإبادة الجماعي، بغية تعريف هذه الجرائم كإبادة جماعية أسوة بجرائم الأنفال والقصف الكيمياوي وإبادة البارزانيين والكورد الفيليين.
في الوقت الذي نحيي ذكرى شهداء كهف دكان لابد أن نؤكد على ضرورة توثيق هذه الجريمة والجرائم التي ارتكبت بحق شعبنا وتدويلها وتعريفها دوليا، ومن أجل تحقيق ذلك لابد لحكومة إقليم كوردستان دعوة ممثلي الدول والقنصليات والمنظمات الدولية لزيارة هذا الكهف بهدف مشاهدة آثار الجريمة من الجماجم والعظام وهياكل العظمية للضحايا.
كما وعلى الحكومة الاتحادية كوريث لحكومة النظام السابق تعويض ذوي الضحايا ماديا ومعنويا، وعلى حكومة إقليم كوردستان أيضا، العمل من أجل إعادة رفات ضحايا كهف دكان ودفنهم بشكل لائق بعد اخذ نماذج من حمض النووي، وعلى القنوات الإعلامية تسليط الضوء بشكل أوسع على هذه المجزرة عن طريق مقابلات وإنتاج أفلام وثائقية كي يظهر للعالم بشاعة هذه الجريمة والاستفادة من الأدلة التي توثقها كجريمة إبادة دوليا ومعاقبة المجرمين، كجزء من ملف التعريف وعلى وزارة الثقافة إنتاج أفلام وثائقية تظهر جرائم الإبادة الجماعية لشعبنا.
من المشاهد المسأوية لجريمة كهف دكان، ذكر الكاتب ريبوار رمضان البارزاني في أحد مؤلفاته تحت عنوان ( إبادة البارزانيين في قرن العشرين) مشاهد مأساوية لجريمة كهف دكان التي تشقعر لها الأبدان،حيث يرى جماجم الأطفال تحت الأحجار وعظام الأم منخرطة مع عظام جنينها، وامرأة وضع جسدها على مهد طفلها كي تحمها من الحرق، احترقا معا وبقى جثمانهما لمدة أربعين يوما بهذا المنظر المأساوي التراجيدي.
امرأة أخرى حامل رفعت المصحف الشريف وخرجت في الكهف ورفعت المصحف أمام أزلام وجحوش النظام قائلة لهم ( نحن نساء وأطفال لا ذنب لنا ولا حول لنا ولا قوة لا تقتلونا) لكن المجريمين وقبل أن تكمل كلامها قتلوها بدم بارد ورموها بالذخيرة الحية وقتلوها قبل حرقها.
وقال شهود من أهالي القرى القريبة، بعد إحراق جميع مافيها من المواطنين في الكهف من قبل أجهزة النظام الدموية: حاولنا قدر الإمكان دفن الضحايا تحت الأحجار أمام مدخل المغارة بغية حفظ الرفات من الحيوانات المفترسة وإبقاء الأدلة.
يروى الكاتب ريبوار رمضان البارزاني أيضا : 3 من النسوة حرقت أجسادهن لكن يظهر بأنه بقيت فيهن الأنفاس حاولن الخروج سعيا منهن للحصول على قليل من الماء ليضمئون عطشهن في أقرب نبع قرب فوهة الكهف، لكن توفوا اثر الجروح والجوع ولأنهم بقين لمدة 14 يوما والدم يسيل في أجسادهن وأصبحت جثثهن طعاما للحيوانات لم تبق في أجسادهن الا قليلا.
ويضيف ريبوار رمضان قائلا: وشيخ فاق عمره 80 عاما، توفى قبل وصوله للكهف عطشا وجوعا ومن شدة حر الصيف على بعد 500 مترا من مدخل الكهف..
ومن بين القصص المسأوية عن مجزرة كهف دكان والتي يرويها الكاتب ريبوار رمضان، حديث الشاب الذي رافقه خلال زيارته للكهف وهو من ذوي 9 ضحايا من ضحايا الكهف يقول ريبوار: كان يرافقني خلال الزيارة إلى الكهف ووضع يده على كتفي مشيرا بأصابعه إلى بقعة من الأرض تحت حجر كبير، هذا بقايا عظام أهلي والضحايا الذين قتلوا غدرا في الكهف، أتمنى أن يتمكن المختصون وأصحاب الشأن والمسؤولين من زيارة هذا الكهف بغية تسجيل القصص المأساوية للجريمة ومداوات جراحات فقداننا لأعز أهالينا، لكني أرجو منكم أن لا تضعوا أرجلكم على الأرض بل اقفزوا من حجر إلى حجر لأن كل شبر من أمام الكهف يحوي جثامين 67 شهيدا قتلوا ظلما وغدرا.
وتتضمن جريمة كهف دكان العديد من المشاهد والقصص التراجيدية والمأساوية الأخرى التي تشقعر لها الأبدان عند سماعها.
تحية إجلال و إكرام لشهداء كهف دكان الذين قتلوا غدرا وشهداء جرائم الإبادة الجماعية لشعبنا.