المسرى ..
هناء رياض..
في الوقت الذي اعلنت فيه وزارة التعليم العالي عن قبول اكثر من مئتي الف طالب وطالبة في الجامعات العراقية الحكومية ضمن قنوات القبول المركزي لهذا العام 2023/2022.
فأن هناك ملايين الخريجين يقفون وبشكل شبه يومي على بوابات الوزارة مطالبين بفرص عمل داخل السلك الحكومي، فيما تجد الدولة نفسها عاجزة تماماً عن ايجاد مخرج لهذه المعضلة المستديمة.
ففي ظل عدم وجود رؤية واضحة لدى الدولة تتضمن توفير فرص عمل خارج القطاع العام الذي تضخّم في الأعوام العشرة الأخيرة لاستيعاب شريحة واسعة من الشباب العراقي، ما تسبب بضغط كبير على الموازنة العامة.
وفي ظل عدم استيعاب الطالب بمفهوم الاعتماد على الذات في ايجاد فرص العمل، والاكتفاء بندب الحظ والتذمر والتشكي والتظاهر بأنتظار درجة وظيفية يتنافس عليها الآف غيره، تبقى مشكلة البطالة قائمة حتى حين.
السوق يفتقر الى القطاع الخاص ولاضمانات للعاملين فيه
القطاع الخاص في العراق يكاد يكون الاضعف في المنطقة، فالوضع الأمني غير المستقر خلال السنوات الماضية، وعدم وجود بيئة مناسبة للعمل في هذا القطاع، عوضاً عن التضييق على المستشمرين الأجانب ومساومتهم من قبل بعض الأحزاب المتنفذة على اقتسام الأرباح، ناهيك عن عدم فرض ضمانات حكومية على المستثمر لمصلحة العاملين معه من العراقيين، كلها أسباب جعلت القطاع الخاص يتراجع عليه الطلب مقابل الوظائف الحكومية، وبالتالي بات من الصعب إيجاد حلول سريعة لمشكلة البطالة في العراق إلا بعد تحديد اختصاصات الدولة في العمل الاقتصادي، الذي لا يزال يراوح بين خطة للإصلاح الاقتصادي طرحتها الحكومة في ورقتها البيضاء وتوجه برلماني واسع رافض لتقليص دور القطاع العام في الزراعة والصناعة.
تحديات تواجه حكومة السوداني
على الرغم من تحسن وضع الدولة العراقية المالي خلال الأشهر القليلة الماضية وارتفاع احتياطات البنك المركزي إلى اكثر من 70 مليار دولار وانخفاض معدل الديون الداخلية إلى 70 ترليون دينار عراقي (حوالى 50 مليار دولار) وانخفاض الديون الخارجية إلى 20 مليار دولار، فإن هذه الأمور لم تؤثر في تحقيق إصلاح لملف البطالة في البلاد، لأن حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، كانت بصلاحيات محدودة ولا يمكنها اتخاذ قرارات استراتيجية في ما يتعلق بهذا الملف، على الرغم من إعلان وزارة النفط مطلع العام الحالي، عن تحقيق إيرادات إضافية من بيع النفط بلغت 16 مليار دولار خلال عام 2021 مايعني أن تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني عليها المضي بمحاولة تحقيق مالم تستطع تحقيقه الحكومات السابقة في هذا الملف الذي يشكل حجر عثرة امام أي تشكيلة حكومية، خصوصاً وان الطلاب والخريجون هم بيدق الشارع وزخمه الاعظم في اي تحشيد جماهيري او تظاهرات غاضبة، ما لم يتم مراعاة حاجاتهم وحلحلة مشكلتهم الاهم.
ارقام واحصائيات
وزارة التخطيط وفي الاشهر القليلة الماضية، شرعت بتشكيل مجلس لتطوير القطاع الخاص برئاسة وزير التخطيط السابق، وأوضح المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي، بأن المجلس يعمل بشكل مؤقت لتوفير النظام الداخلي والأرضية المتكاملة للمجلس الدائم، لافتاً إلى أن “المجلس سيأخذ على عاتقه التنسيق بين الحكومة وتشكيلات القطاع الخاص وفعالياته بشكل عام وسيكون له صوت في صنع القرار الاقتصادي”.
وبحسب آخر إحصاء أجرته بغداد عام 2020، فإن محافظة الأنبار سجلت أعلى نسبة بطالة بواقع 32.4 في المئة، فيما بلغت النسبة في محافظة كركوك 6.3 في المئة، وهي الأقل مقارنة ببقية المحافظات العراقية.
وبلغت نسبة البطالة في الريف 14 في المئة، مقارنة بـ13.2 في المناطق الحضرية. مايعني ان النسبة العامة للبطالة الحقيقية تصل الى 20 بالمئة، عوضاً عن استمرار انخفاض مساهمة القطاعات الحقيقية بالنشاط الإنتاجي، إذ ما زالت مساهمة الصناعة التحويلية لا تشكل سوى 1 في المئة، مع موت شبه كامل للحِرف المحلية بسبب سياسة الانفتاح التجاري الاستيرادي غير المنضبط، فضلاً عن التطبيق غير المكتمل لقانون حماية المنتج الوطني.
وشهدت الأسواق العراقية منذ عام 2003 انفتاحاً غير مسبوق على استيراد السلع والبضائع وبأسعار رخيصة جداً أدت إلى انهيار الصناعة المحلية وتسريح آلاف العمال، قسم كبير منهم من المهرة، بشكل مفاجئ.
حلول ممكنة والتطبيق برهن الارادة
يرى خبراء الاقتصاد ان هناك قوى جديدة تنزل للسوق العراقي كل عام من العمال العاديين وتصل لما يقرب من 300 ألف إلى 350 ألف، وهم في وضع بائس لانعدام فرص العمل لهم في السوق المحلية، عوضاً ان نحو 160 ألف إلى 170 ألف شاب يتخرجون سنويا من الكليات والمعاهد ولا يجدون فرص عمل ايضاً.
وماهو معروف تماماً أن العراق يمتلك قوة شابة ضخمة، لكن المحزن ان تلك القوى تتآكل تماماً لأنهم يبقون لمدة سنتين أو ثلاثة من دون إنتاج، وبالتالي يتحولون لقوة خاملة.
وفيما يشير البنك الدولي في تقرير نشر في مايو الماضي ان العراق “يقف في مفترق طرق وبلوغه نقطة أصبحت فيها الحلول السريعة محدودة”، فأن الاقتصاد أضحى بحاجة لتحولات جذرية إذا كان يُراد له أن يكون قادرا على خلق الوظائف لأعداد الشباب المتزايدة من السكان”.
ويرى البنك الدولي أنه “مع وصول أسعار النفط إلى مستوى يتجاوز 60 دولارا للبرميل، أصبح بوسع العراق الشروع في تنفيذ الإصلاحات وتوظيف هذه المكاسب غير المتوقعة في التخفيف من أثر التداعيات المحتملة لمثل هذه الإصلاحات والاستثمار في رأسماله البشري والمادي”.
في المقابل ينتقد الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان التحركات الحكومية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، ويرى أن “الخطط الموضوعة دائما ما تكون دون المستوى”.
ويتابع أن العبرة ليست في وضع الخطط فقط، بل بمن سينفذها، على اعتبار أن القطاع الإنتاجي الصناعي والزراعي والسياحي في العراق مشلول تماما، وهذا من شأنه أن يرفع نسب البطالة ويزيد من الفقر”.