المسرى.. متابعات
في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة العراقية غلق ملف النازحين واعادتهم الى ديارهم التي تركوها بعد ان عاثت يد الارهاب فيها ، فأن وزارة الهجرة والمهجرين العراقية اعلنت ان هناك صعوبة في اغلاق مخيمات النازحين داخل اقليم كوردستان , رغم انها عازمة على اغلاق اخر مخيمات النازحين داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية وهو مخيم ( الجدعة ) جنوب الموصل.
برامج تأهيل تخضع النازحين للإندماج في مجتمعاتهم من جديد
يرى الكثير من الناشطين في المجال الانساني ، أن قرار وزارة الهجرة والمهجرين بإغلاق مخيمات النازحين وإعادتهم إلى مناطقهم قسرا ، يعتبر من القرارات المجحفة بحق الإنسانية، وبحق النازحين على نحو خاص، وأن عملية العودة القصرية للنازحين إلى مناطقهم دون توفير أبسط مقومات الحياة ، تعتبر كذلك نزوحا آخر، فالأول كان تحت تهديد السلاح، أما الآخر فكان تحت تأثير قرارات متسرعة، لتحقيق مكاسب سياسية وملء قائمة الإنجازات الفارغة، كما يقول الناشط علاء العمراني.
ويؤكد العمراني بالقول ” نعم لعودة النازحين إلى مناطقهم ، ولكن يجب أن تهيئ الحكومة لذلك وتوفر شروط العودة الآمنة (بتوفير السكن والمأكل والملبس وفرص العمل).” وطالب العمراني الحكومة بالإيفاء بالتزاماتها وصرف تعويضات النازحين.
فما زال الغموض سيد الموقف حول الكثير من الاسئلة التي تتعلق بحياة النازح بعد عودته الى دياره , فكيف سيواجه المشاكل العشائرية والرفض المجتمعي له بسبب انتماء بعض من عوائلهم لتنظيم داعش ؟, عوضاً عن الموافقات الأمنية المتعلقة بتنزيه العائد وعائلته من الانتماء لصفوف التنظيم الارهابي او الإيمان بمعتقداته.
تحديات كبيرة تواجه الحكومة العراقية ..
تسببت الحرب على داعش بنزوح ملايين المواطنين عن ديارهم، ويؤكد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري، أن ” أعداد المخيمات عام 2017 بلغت 120 مخيما ، نزح إليها ما يربو على 5 ملايين شخص، مشيرا إلى أن كثيرا منهم نزح إلى المخيمات الموزعة على محافظات بغداد ونينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك وديالى وبابل وإقليم كوردستان.”
وفي آخر تصريح صحفي للمتحدث الرسمي لوزارة الهجرة كريم النوري تابعته المسرى ، أكد أنه ” ومنذ تولي رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي منصبه، استطاعت الحكومة إغلاق 50 مخيما، وأن العمل جار على إغلاق مخيم الجدعة الذي يعد الأخير”.
ويعد مخيم الجدعة واحدا من 5 مخيمات أنشئت في محافظة نينوى على عجل خلال عمليات الحرب ضد تنظيم داعش ، بعد إغلاق 4 منها.
يقول النوري” إن جميع النازحين أعيدوا أو سيعادون لمناطقهم أو مناطق أخرى طواعية”، مؤكدا أن “من بقي منهم بمخيم الجدعة يخضعون لبرنامج إعادة تأهيل مجتمعي قبل إعادتهم، وأن جهات دولية مثل منظمة الهجرة الدولية تشارك بالبرنامج.”
وعن الجهة التي سيعاد إليها النازحون، كشف النوري عن، ان ذلك يخضع لدراسات ضمن توجه المجتمع المضيف، مبينا أنه وفي حال رفض مناطقهم الأصلية استقبالهم فإنهم قد ينقلون إلى مناطق أخرى.
حصيلة المخيمات التي تم غلقها
وأعلنت وزارة الهجرة والمهجرين، عن إغلاق عشرات مخيمات النازحين، مشيرة إلى وجود تجاوب كبير من الأطفال النازحين ضمن برنامج الإندماج المجتمعي.
وقال وكيل الوزارة كريم النوري في تصريح، إنّ “إنهاء المخيمات في العراق يواجه تحديات وعقبات وصعوبات”، مؤكدًا أنّ “وزارة الهجرة بذلت قصارى جهدها لإعادة النازحين”.
وأضاف النوري، أنّ “الوزارة أغلقت خلال الفترة الحالية 50 مخيمًا، ولم يبق إلاّ مخيم الجدعة في الموصل و26 مخيمًا في الإقليم”، معربًا عن أمله بأن “يتعاون إقليم كوردستان مع الوزارة لإنهاء ملف النازحين”.
وأوضح، أنّ “أغلب النازحين هم من سنجار، وهناك من الموصل وصلاح الدين”، مبينًا أنّ “الوزارة بدأت برنامج الاندماج المجتمعي، وهناك تجاوب كبير من الأطفال النازحين للبرنامج، وخاصة الذين انتقلوا من الحسكة إلى العراق”.
الحياة اليومية في مخيم الجدعة
تعاني مئات العائلات القاطنة في مخيم الجدعة جنوب مدينة الموصل نقصاً في المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض الجلدية والتنفسية وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، الأمر الذي يفاقم مشكلات الأسر.
وتعدّ برامج المساعدات التي تقدمها المنظمات للنساء والأطفال في المخيم ضئيلة، إذ تشير بعض النساء إلى الحاجة لمزيدٍ من البرامج النفسية والتعليمية لإعادة استقرار الأسر التي تخشى العودة إلى مدنها الأصلية لأسباب أمنية.
ويضم مخيم “الجدعة” الأسر العراقية التي كانت تقطن في مخيم الهول السوري، والتي عادت إلى العراق خلال العام الماضي بعد تدقيق سجلاتها أمنياً من قبل السلطات، وغالبيتها من النساء والأطفال والمرضى وكبار السن.
وفي تصريحات نسبت لبعض النساء الساكنات في مخيم الجدعة , فأن الوضع في المخيم لم يكن كما توقعن , إذ إن المشكلات كثيرة، بدءاً من الخيام وانتهاء بالطعام، بالإضافة إلى عدم توفر العلاج. وتشير إحدى النساء إلى تعرضها للإذلال، قائلة إن العاملين في المخيم “يظهرون صورة مختلفة لدى وصول المسؤولين الحكوميين من بغداد ويتحدثون بما يخالف الواقع”. وتتحدث عن مشكلات كثيرة، منها عدم توفر المياه الصالحة للشرب وسوء التغذية والخوف من المجهول.
نفي الإغلاق
من جهته، نفى النائب شيروان الدوبرداني ما أكدته وزارة الهجرة عن إغلاق مخيم الجدعة، كاشفا في حديث صحفي سابق أن الحكومة غيرت اسم مخيم الجدعة إلى (مركز تأهيل الجدعة) وبذلك يعد ملغى من قائمة المخيمات رسميا.
وتابع الدوبرداني أن ” تغيير تسمية المخيم إلى مركز للتأهيل يمكن وصفه بـ “اللعبة الجديدة” لتتحول تسمية المخيم بالمراسلات الحكومية إلى مركز تأهيل، مبينا أن غالبية قاطني هذا المخيم في الوقت الحالي من العائلات التي تم نقلها خلال الأشهر الماضية من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة وفق اتفاق الحكومة مع الجهات الدولية الأممية والولايات المتحدة لاستقبال نحو 500 عائلة عراقية.
تاريخ نشأة مخيم الجدعة
ومع تقدم العمليات العسكرية لإستعادة المدن بين عامي 2016 و2017، لم يستطع أولئك العودة إلى البلاد، لينضم إليهم عناصر داعش وعائلاتهم الذين فروا من العراق.
وخلال أشهر، ومع صعوبة العبور إلى تركيا وتراجع المساحات التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا بعد عام 2018، استقر هؤلاء في مخيم الهول الذي يعد أكبر المخيمات شمال شرق سوريا وتسيطر عليه حاليا قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ (قسد).
وكان مخيم الهول قد أنشأته الأمم المتحدة عام 1991 إبان حرب الخليج الثانية وغزو الكويت، حيث فرت العديد من العائلات العراقية تجاه سوريا حينها، وظل خاليا حتى سيطرة داعش على مساحات شاسعة من العراق وسوريا.
وبهذا الصدد، يقول النوري في حديث سابق ” إن أعداد العراقيين النازحين في مخيم الهول تقدر بنحو 20 ألفا، مضيفا أن ” غالبيتهم ليسوا من تنظيم داعش ، وأن جلهم من النساء والأطفال.”
وتابع النوري ” أنه كان من المقرر أن تتم إعادة هؤلاء للعراق منذ فترة طويلة، إلا أن جائحة كورونا أدت لتأجيل إعادتهم، وأنه لم يكن أمام الحكومة إلا 3 خيارات، فإما تركهم بمخيم الهول بما فيه من مخاطر في ظل وجود 10 آلاف فرد من داعش ، وفق النوري ، وإما تركهم بالصحراء السورية دون إعادتهم، وإما إعادتهم إلى البلاد مع العمل على تأهيلهم نفسيا ومجتمعيا تحت أنظار الحكومة.
مخاطر جمة
واتساقا مع تصريحات النوري، يعود النائب الدوبرداني فيكشف أن أعداد العراقيين بمخيم الهول تقدر بـ 30 ألف نازح من بينهم 18 ألفا من أهالي محافظة الأنبار (غربا) و4 آلاف من نينوى (شمالا) والبقية من المحافظات الأخرى، حيث أعيد نحو 2500 منهم إلى مخيم الجدعة خلال الأشهر الستة الماضية.
واختتم حديثه بالإشارة إلى خطورة هؤلاء العائدين لمخيم الجدعة على الوضع الأمني بالبلاد، مبينا أن معلومات تملكها الأجهزة الأمنية ، تؤكد ارتباط بعض هؤلاء مع ذويهم من المنتمين للتنظيم الهاربين خارج العراق.” وفق تعبيره
من جهته، يؤكد الباحث الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف ” أن حل ملف مخيم الهول بحاجة لجهد دولي، سيما أنه يضم جنسيات مختلفة. وعن إعادة نازحيه العراقيين لبلادهم، يقول “إن العائدين يدققون أمنيا ومن ثم يدخلون مخيم الجدعة” لافتا إلى أن الحل الأمثل يتم من خلال استقبالهم على مجاميع صغيرة لا تتجاوز 50 فردا “ومن تثبت عليه الإدانة يحال للقضاء”.
وأضاف أبو رغيف في تصريح صحفي سابق ” أن على الحكومة إعادة تأهيل الأبرياء منهم ودمجهم بالمجتمع طواعية لأجل، وبغير ذلك ستظل المخيمات بؤرة لما وصفه بـ “التطرف”.
ومع إصرار الحكومة العراقية في تصريحاتها على طي صفحة مخيمات النازحين في البلاد، إلا أن منظمة الهجرة الدولية (IOM) ، أكدت في آخر تقرير لها نشر قبل اشهر أن ملف النازحين العراقيين لا يزال حاضرا مع استمرار نزوح مليون و200 ألف مواطن عن ديارهم وإن كان جلهم خارج المخيمات.