المسرى .. متابعات
برزت منذ العام الماضي، أزمة الجفاف بشكل جلي في البلاد ، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى النصف، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات لمساحاتها الزراعية، كما فقدت الأهوار نحو 80 بالمئة من مساحاتها المغمورة بالمياه، ما انعكس على الثروة الحيوانية وخاصة الجاموس، حيث انخفضت أعداده بشكل هائل وبات مهددا بالانقراض.
وبحسب دراسة قدمتها مدير منظمة حقوق المرأة المهندسة والحقوقية بتول الداغر بعنوان (المرأة العراقية والتغييرات المناخية) فأن المرأة العراقية عامة والريفية خاصة هن الأكثر تضررا بسبب التغيّرات المناخية في العراق.
وأدى ذلك إلى تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي والاتجار بالمرأة مع قلة هذه الموارد، فكانت تأثيرات التغييرات جلية وواضحة بنحو غير متساوٍ بين الرجال والنساء، إذ أن النساء أكثر تضررا، وهذا ما لوحظ من خلال الزيارات والتوثيق للانتهاكات التي تعرضت لها وزيادة نسب العنف المبني على النوع الاجتماعي وحالات الطلاق والانتحار وغيرها ما أدى إلى فقدان المرأة لهويتها الريفية.
تؤكد مريم الفرطوسي المدير التنفيذي لمؤسسة أليس لحقوق المرأة والطفل في محافظة المثنى، خلال حديث تابعه المسرى ، أنه “منذ بدء التغيّرات المناخية التي عصفت بمحافظة المثنى من العواصف الترابية وجفاف بحيرة ساوة ومجاعة الغزلان تضررت المساحات الزراعية، وبحسب توجيهات وزارة الزراعة تم تخفيض المساحات المزروعة إلى النصف، علما أن المساحات في الموسم السابق كانت بحدود 350 ألف دونم تقريبا”.
وأشار رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد في مؤتمر قمة المناخ (cop 27) الذي عقد للفترة من (6 لغاية 18) تشرين الثاني نوفمبر 2022 في مدينة شرم الشيخ بمصر، إلى أن “أزمة المياه في العراق أجبرت السلطات على تقليص المساحات الزراعية، وان التصحر يهدد 40 بالمئة من مساحة العراق”.
ويتحدث مسؤول مديرية تخطيط المثنى المهندس قابل حمود البركات، خلال حديث تابعه المسرى ، عن ان “التغيرات المناخية أثرت على الزراعة في قرى المحافظة، مع شحّ المياه السطحية وقلة الأمطار والاحتباس الحراري، ما أدى إلى هجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة، حيث تعتمد قرى المحافظة على الزراعة والثروة الحيوانية، ونظرا للاحتباس الحراري الذي يمنع الأمطار فيندر الغطاء النباتي، إضافة إلى عجز الفلاحين عن شراء الأعلاف بعد أن كانت طبيعية، كذلك ذنائب الأنهر لم تصلها المياه فقلت المساحات الزراعية إلى النصف”.
ويضيف البركات أن “وزارة الزراعة هي المعنيّة في معالجة آثار الاحتباس الحراري مع عدد من الجهات الحكومية، إلا أنها أخفقت في السنوات الأخيرة في الحد من هذه الظاهرة بالأحزمة الخضراء والغطاء النباتي وتقليل الغبار”.
وتعد المثنى، المحافظة الأكثر فقرا في العراق بنسبة 52 بالمئة، ويصل عدد القرى فيها إلى 538 قرية، وتشكل العشوائيات أكثر من 21400 مسكن عشوائي، أما البادية فمساحتها 18 مليون دونم.
ويجد مدير تخطيط المثنى أن “الحلول المناسبة تكمن في أن تبدأ الدولة بوضع الاحتياطات اللازمة للمستقبل لخطورة التصحر والاحتباس وقلة المياه، وسياسات تسليم إدارة المياه سواء بالسياسة الخارجية مع دول الجوار أو إدارة المياه الداخلية مثل تنظيم عملية الري من خلال المراشنة ورفع التجاوزات على ضفاف الأنهر واستخدام المكننة الحديثة”.
ويؤكد الخبير البيئي جاسم الأسدي، خلال حديث تابعه المسرى ، أن “التغيّر المناخي في البلاد أدى إلى هجرة كبيرة من مراكز الأهوار إلى مراكز المدن وفقد الكثير من الرجال والنساء مصادر عيشهم لاعتمادهم في دخلهم المعيشي على المياه بشكل أساسي وباتوا لا يجدون ما يسدون به رمقهم ولا قوت يومهم، فالتغيرات المناخية أثرت بشكل كبير على الأهوار، وقد انخفضت نسبه الإغمار، وجفت بحيرات مهمة وذات اثر في اقتصاديات السكان المحليين والتنوع الإحيائي مثل بركة أم النعاج في هور الحويزة بمحافظة ميسان وهور الحمار الغربي والبركة البغدادية في الاهوار الوسطى وأصبح جزء كبير من الأهوار جزءاً من الصحراء العراقية”.
ويرى الخبير البيئي أن “الحلول المناسبة هي إعادة النظر في توزيعات المياه داخل البلاد ومتابعة التيرنو بوردز في الحدود الداخلية في الأهوار”، مشيرا إلى أن “الحلول في جانب منها ليس جانبا مائيا في أقصى حالاته.
وقال ، اليوم “لا يوجد لدينا أكثر من 9 مليارات و 600 مليون متر مكعب في السدود والخزانات الرئيسية الثلاثة دوكان وحديثة والموصل لكن علينا أن نسعى لإعادة السكان المحليين ودعم أسعار العلف الحيواني ودعم مالي ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية لصيد الأسماك ومربي الجاموس أيضا، وبالرغم من أن المؤسسات الحكومية لديها عمل مع منظمات المجتمع المدني ولكن ليس بمستوى الطموح فالجانب الحكومي يبدو حريصا من حيث الأقوال ولكن من حيث الأفعال هو شحيح جداَ”.
ويبين تقرير تحليل السكان الصادر عن صندوق الأمم المتحدة أن الهجرة المستمرة أدت إلى توزيع غير متوازن للسكان، حيث ما يقرب من 70 بالمئة من السكان يستقرون في المناطق الحضرية، ما يؤثر سلباً على التنمية الزراعية ومن المتوقع أن تقوم النساء والفتيات بالسير لمسافات أطول للحصول على المياه وجلبها، مما يعرضهن لمخاطر اكبر من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويمكن أن يؤدي فقدان سبل كسب العيش إلى زيادة زواج الأطفال وحمل المراهقات، ونزاعات بين المجتمعات المحلية.
ووفقاً لمؤشر المخاطر المناخية على الأطفال لمنظمة اليونيسيف، فأن الأطفال والشباب معرضون لمخاطر مناخية من متوسطة إلى عالية في العراق، مع وجود فئات تعاني الهشاشة ومناطق معينة من البلد معرضة لمخاطر أكبر.
وتناشد رئيس منظمة أور للمرأة والطفل منى الهلالي، خلال حديث تابعه المسرى ، “باسم نساء الأهوار والمناطق المنكوبة الأمم المتحدة ودائرة تمكين المرأة، الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات تجاه الكارثة البيئية، حيث وصل عدد العوائل النازحة من محافظة ذي قار جنوب العراق إلى 3000 عائلة وتسرب عدد كبير من تلامذة المدارس، كما فقدت النساء مصدر دخلهن مطالبة الجهات الحكومية بإيجاد حل عاجل لهذه الأزمة الإنسانية”.
وبحسب التصنيفات الدولية يعد العراق من ضمن الدول الخمس الأكثر تضررا من التغيرات المناخية وأهمها الاحتباس الحراري وانخفاض مناسيب المياه والتصحر والجفاف وانحسار الأراضي الزراعية والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وتناقص الإيرادات المائية ما يؤثر على الأمن الغذائي والمائي بشكل كبير وبالنتيجة على الأمن الوطني بالتزامن مع انضمام العراق لاتفاقية باريس للمناخ في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، كذلك يصنف واحدا من الدول التي تعاني من إجهاد مائي كبير بسبب السدود العملاقة التي شيدت من قبل دول الجوار (تركيا وإيران) والتي أدت إلى ندرة المياه في نهري دجلة والفرات والأهوار في جنوبي العراق.