رحل عنا هذه الأيام شخصية كان لها دور بارز في مقارعة الدكتاتورية ومواجهة سياسات النظام البعثي، وهو الأمين العام للحركة الاشتراكية العربية عبد الإله النصراوي، المناضل والمدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الكوردي والعيش المشترك والاتحاد الاختياري بين العرب والكورد.
علاقات مع الكورد وحركتهم التحررية
ويمثل الراحل أحد الشخصيات الوطنية الرافضين لإرث النظام البائد من جهة، والداعين لمنح القوميات حقوقهم المشروعة في بلد تجمعهم فيه أهداف وغايات مشتركة ومن هذا المنطلق جمعته مع الحركة التحررية الكوردية علاقات متينة لا سيما مع الرئيس الراحل جلال طالباني.
بواكير النضال
ولد الأمين العام للحركة الاشتراكية العربية عبد الإله النصراوي في محافظة النجف وبدأ حياته السياسية في الرابعة عشر من عمره وشارك في انتفاضة النجف عام 1956، إثر العدوان الثلاثي على مصر، ضمن لجنة الطلبة في منظمة الشباب القومي العربي، ،وعندما وقعت ثورة الرابع عشر من تموز 1958، كانت هناك مجموعات فاعلة بحركة القوميين العرب الذي ينتمي إليهم رسميا مع مجموعة من زملائه، حيث كانوا يقودون التنظيم الطلابي في منظمة الشباب القومي العربي، وفي عام 1962 أصبح عضواً في قيادة الإقليم للقوميين العرب، وفي مايو 1963 أعدت الحركة انقلابا ضد البعثيين آنذاك، وكشف الانقلاب قبل التنفيذ، وكان من المساهمين الأساسيين فيه، وله مسؤوليات تنفيذية في هذه العملية، فأصبح مطلوبا، وهرب على اثرها الى لبنان.
وبعد 2003 صرح النصراوي في كتاباته وأحاديثه الصحفية أنهم يطرحون أنفسهم في العراق كمعارضة سلمية ديمقراطية في ظل ما يجري في البلد، وأن الأغلبية الساحقة من العراقيين ترفض الاحتلال وبقاء القوات الأجنبية من دون أمد محدد.
صداقة قوية مع الرئيس طالباني
وعن علاقته بالرئيس العراقي الراحل جلال طالباني أكد النصراوي أنها علاقة قوية جدا، وأنهما كالأخوين، وتعود معرفته به إلى ستينيات القرن المنصرم، حين تعرف عليه في زيارة جاءت به إلى بغداد ضمن وفد، ومن يومها توطدت العلاقة لدرجة أصبحت علاقات عائلية، حتى أنه ساعد الرئيس جلال طالباني في إعلان تأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي أنشىء في سوريا، ساعدته في سوريا وفي لبنان أيضا، حتى أنه استطرد في أحد لقاءاته وقال إنه “ساعد مام جلال وكان له دور في إيصال المعلومات له حين كانت هناك عمليه لاغتياله من قبل كوادر السفارة العراقية ببيروت في سبعينيات القرن الماضي.
شهادات وإشادات
أضف إلى ذلك أن الرئيس الراحل جلال طالباني لم ينكر هذا الموقف وقال في مناسبات عدة “إنه منذ عام 1963 كانت لنا علاقة مع حركة القوميين العرب عن طريق الأستاذ عبد الإله النصراوي، فعن طريق حركة القوميين العرب تكونت لنا علاقة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثم الجبهة الشعبية وكذلك مع المرحوم الدكتور جورج حبش ومع الأخ نايف حواتمة وآخرين، وهكذا وبالتدريج تكونت لي العلاقة مع الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس حافظ الأسد والمنظمات الفدائية الفلسطينية بمن فيهم ياسرعرفات وكذلك مع القذافي.
واستذكر رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بافل جلال طالباني مواقف ونضال النصراوي الراحل في مقارعة الدكتاتورية وتحقيق الديمقراطية والعيش المشرك في العراق، فيما أشادت مؤسسة الرئيس جلال طالباني عبر برقية لرئيسها السفير الدكتور محمد صابر بالدور بالرز للفقيد على الساحة السياسية العراقية ونشر الوعي القومي والمساهمة الفعالة في محاربة النظام البعثي.
الحركة الاشتراكية وظروف قيامها
وبالعودة إلى الوراء يتبين لنا أنه نتيجة التعارضات والاختلافات التي حصلت داخل تنظيم (الاتحاد الاشتراكي العربي في العراق والذي تأسس في سنة 1964 بين عدد من القوى المكونة لهذا التنظيم وبين رئيس الجمهورية العراقية آنذاك عبد السلام محمد عارف (1963-1966) الذي كان في الوقت نفسه الرئيس الأعلى للاتحاد الاشتراكي العربي، فقد نشأ الاتحاد الاشتراكي كتنظيم جديد في الثالث من آب – اغسطس سنة 1965 ، تلك التعارضات التي شملت المسائل الفكرية والتنظيمية، التي وصلت في نهايتها إلى الانسحاب من تنظيم الاتحاد الاشتراكي و انشاء تنظيم جديد بإسم الحركة الاشتراكية العربية.
وعلى ما يبدو أن الحركة لم تكن كما يقال متجانسة في تشكيلها لذلك تعرضت في الفترة اللاحقة للانقسام والانشقاق وظهرت داخلها تيارات عديدة، وعندما قام انقلاب 17 من تموز 1968 واجه عدد من قادة وأعضاء الحركة الاشتراكية العربية عنتا من الانقلابيين، فأُلقي القبض على عدد من قادة الحركة، وفي مقدمتهم أمينها العام عبد الإله النصراوي.
مواقف غير راضخة
وتشير الوثائق إلى أن الحركة الاشتراكية العربية لم ترضخ لهذا الموقف، بل قاومت النظام الجديد، وقدمت عددا من الشهداء، وامتلأت السجون والمعتقلات بهم ومن أنصارهم القوميين والناصرين، وأنها قادت في الستينات من القرن الماضي حركة تجديد الفكر القومي وجعله يكتسب بعدا اشتراكيا، وترى أن الوحدة العربية لايمكن أن تتحقق إلا بالإرادة الشعبية، لذلك أدانت وبكل ثقة وصراحة اجتياح الجيش العراقي للكويت في الثاني من آب 1990 وعدت ذلك تشويها لفكرة الوحدة العربية .
مناصرة القضية الكوردية
وكذلك من أفكار الحركة الاشتراكية العربية تأكيدها أن لكل قومية الحق في تقرير مصيرها وأن الفكر القومي لابد أن يبتعد عن العنصرية والتعصب والشوفينية، وأبرز مثال لذلك نظرته إلى القضية الكوردية، ومن هنا كانت الحركة تؤكد أن العراق يتألف من قوميتين رئيسيتين هما العرب والكرد وهي تؤيد الحقوق المشروعة للشعب الكوردي و تؤيد العيش المشترك والاتحاد الاختياري بين العرب والكورد.