المسرى .. متابعات
اعداد : محمد البغدادي
الخلافات القائمة على الخروج بتشريع قانون انتخابي يرضي الجميع مازال حبيس المداولات والمفاوضات والرد والقبول ، كل يرى مصلحته فيما يراها ويسعى اليه ، طموحات سياسية عراقية على مستوى الكتل النيابية تحلق في بعض الأحايين فوق السقوف الأعلى في حين تلك الطموحات لا ترقى الى مستوى الشارع ، الأمر الذي يصعب من مهمة تشريعه وفق المقاسات السياسية التي تحاول جاهدة تغيير الصيغ الانتخابية ومنها اللجوء الى ( سانت ليغو) الأكثر رفضا والمعد من بين أكثر النظم جدلا .
مجلس النواب العراقي أنهى مؤخرا القراءة الأولى لتعديل قانون الانتخابات الذي ستجري بموجبه انتخابات مجالس المحافظات، المزمع أجراؤها نهاية العام الحالي، فضلاً عن الانتخابات التشريعية التي من الممكن أن تجري بذات القانون، كما تطالب وتريد بعض القوى السياسية، ولاسيما القوى المنضوية تحت تحالف الإطار التنسيقي، فقد أجريت انتخابات مجالس المحافظات لعام 2013 في 12 محافظة فقط من أصل 18 محافظة.
وفي الحين تم استبعاد محافظات إقليم كوردستان وكركوك بسبب الخلافات السياسية “التي ما تزال قائمة لحد الآن” واستبعدت نينوى والأنبار لأسباب أمنية قبل سيطرة تنظيم “داعش” على محافظة نينوى وبعض المحافظات الغربية، قبل ان تنهي تلك المجالس عملها بعد الاحتجاجات الشعبية العراقية التي اجتاحت وسط وجنوب العراق، منددة بدور مجالس المحافظات كحلقة من حلقات الفساد التي استفادت منها القوى السياسية في منظومة النظام السياسي العراقي في ترسيخ هيمنتها السياسية، مطالبة بتعديل دستوري من اجل استئصال هذه الحلقة والذهاب إلى تعديلات دستورية أكثر انتاجاً وتحقيقاً لمصلحة البلد والشعب.
الرغبة بتغيير قانون الانتخابات القائم آنذاك إلى قانون الدوائر المتعددة، وتغير مفوضية الانتخابات، بدعم معلن من قبل المرجعية الدينية في النجف الأشرف، التي طالبت بشكل صريح من خلال خطب الجمعة وعلى لسان ممثليها الشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد احمد الصافي، بتشريع قانون انتخابي عادل ومنصف، يضمن حق القوى السياسية الكبيرة والصغيرة ويسمح للمرشحين المستقلين للوصول إلى قبة البرلمان. إذ تفضل الأحزاب العراقية الناشئة التي انبثقت من احتجاجات تشرين 2019 والشخصيات المستقلة، الترشح المنفرد (الدوائر الانتخابية المتعددة على مستوى المحافظة) كاستراتيجية انتخابية للوصول إلى السلطة أو السلطة التشريعية، فيما تفضل الأحزاب التقليدية الدائرة الانتخابية الأوسع (باعتبار المحافظة دائرة انتخابية واحدة) بدلاً عن الدوائر الانتخابية المتعددة الصغيرة لاعتبارات مختلفة منها طريقة تحديد الدوائر التي بنيت في السابق على اعتبارات ومصالح حزبية، فضلاً عن بعض الأمور الديمغرافية التي تتعلق بالمذهبية والقومية.
يرى مراقبون ، أنه قد لا تتعارض مصالح الأحزاب كثيراً مع اعتماد دوائر متعددة في الانتخابات، إذ لا تشكل التعددية مشكلة معقدة لديها، ويميل التيار الصدري لنظام التعددية في الدوائر الانتخابية.
وتمثل الدوائر المتعددة الخيار الأفضل للصدريين، قياساً بالقوانين الانتخابية الاخرى التي اجريت بموجبها كل الدورات الانتخابية السابقة، على الرغم من ان الصدريين دائماً ما يتصدرون المشهد الانتخابي في كل انتخابات. أما مصلحة الأحزاب الناشئة، ربما يختلف او يتفق معها بعض المتابعين والمتخصصين، تدعم الدوائر الانتخابية المتعددة كالقانون الانتخابي الحالي الذي اجريت بموجبه الانتخابات التشريعية عام 2021 وضمن لها وصولا سياسيا إلى السلطة التشريعية ، إلا ان مصلحتها الانتخابية قد تكمن في الدوائر الانتخابية الأكثر اتساعاً (على مستوى المحافظة) وذلك لسبب بسيط يتعلق بنوعية وتوزيع القواعد الانتخابية المؤيدة والمناصرة لمطالب احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) التي تنتشر وتتسع على مستوى المحافظة، وتضيق على مستوى الدوائر الانتخابية الصغيرة.
ويكمن وجه الاعتراض الاساسي حول قانون الانتخابات الأخير الذي جرت بموجبه انتخابات مجلس النواب 2021 هو التغيير الحاصل بطبيعة التعامل مع الأصوات وعدم قدرتها على التحول الذي يعني احتساب الصوت الحاصل عليه المرشح غير الفائز بالانتخابات لصالح قائمته، وبالتالي يمكن اعتباره صوتاً صحيحاً قد يجري معاملته باحتساب المقاعد الفائزة، على الرغم من أن النظم الانتخابية والديمقراطية الحديثة والمتطورة تتعامل مع الصوت الانتخابي، كصوت انتخابي صحيح الممنوح للشخص وليس للقائمة.
يقرأ محللون أن تشريع قانون انتخابي جديد ضد الرغبة الشعبية وإرادة المحتجين والقوى الناشئة من احتجاجات تشرين، فضلاً عن رغبة المرجعية الدينية، التي دعمت “بشكل واضح” تشريع قانوني انتخابي منصف وعادل، وفي ظل غياب التيار الصدري من المشهد السياسي والسلطة التشريعية، تحدي كبير لكل تلك الأطراف؛ الأمر الذي من شأنه أن يضع البلد أمام مشهد جديد من الاحتجاجات الشعبية، ربما تجتمع فيها كل الاطراف المتضررة من هذا التشريع، فضلاً عن ذلك، فإن تشريع هكذا قانون، يعد عامل اجهاض للعملية الديمقراطية وتقويض للتعددية السياسية، التي نص عليها الدستور العراقي.
ويؤكد محللون آخرون ، وفق متابعات ، المسرى ، أنه ،في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وأزمة سعر صرف الدولار امام الدينار العراقي، هو تعجيل وتسريع للاحتجاجات الشعبية وتعميق للخلاف الشيعي–الشيعي؛ الأمر الذي من شأنه أن يضعف شرعية وبنية النظام السياسي الحالي أكثر من ذي قبل ويقوض من مقبوليته المجتمعية بشكل واسع، ويزيد من دائرة المعارضة الشعبية والسياسية، ولاسيما في ظل الهزات الكبيرة التي تعرض لها النظام السياسي العراقي طيلة الـ(20) سنة الماضية، فضلاً عن التصدعات السياسية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية التي اصابت بنية النظام السياسي الحالي.
يشار الى أن اعتماد نظام الدوائر المتعددة أدى إلى صعود أكبر المرشحين الفائزين ضمن الدائرة الواحدة إلى البرلمان، فيما لا يشترط ذلك قانون «سانت ليغو» الذي اعتمد في معظم الدورات السابقة، وكان يمكن في ضوئه حصول أكبر الخاسرين على مقعد برلماني بالنظر لفوز قائمة ائتلافه أو حزبه بأعلى عدد من الأصوات ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة، وعادة ما تكون محافظة، مثل بغداد أو غيرها. والصيغة الأخيرة التي تسمح بفوز الخاسرين هي النقطة الجوهرية التي كانت وما زالت محل اعتراض الشخصيات المستقلة والأحزاب الصغيرة، لأنها تسمح للقوى الكبيرة بابتلاع معظم أصوات الناخبين.
و«سانت ليغو» طريقة ابتكرت عام 1912 على يد عالم الرياضيات الفرنسي أندريه سانت ليغو، والغاية من هذه الصيغة توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، بطريقة أكثر عدالة. لكن التجربة العراقية، أثارت جدلاً بعد استخدام هذه الصيغة لأول مرة في الانتخابات البرلمانية عام 2014، وكان من نتائجها أن حصلت القوائم الصغيرة على مقاعد محدودة، ما أثار السخط، خصوصاً من جانب المستقلين والقوى المدنية. وإلى جانب الاعتراض على صيغة القانون التي تجري بضوئها العملية الانتخابية، تعترض أطراف غير قليلة على ذهاب التعديل الجديد إلى الدمج بين الانتخابات البرلمانية العامة والانتخابات المحلية في قانون وصيغة واحدة.
كوردستانيا .. كشفت ريواز فائق رئيس برلمان إقليم كوردستان عن مساع تبذل لجمع مؤسستي الانتخابات في الحزبين الرئيسين بإقليم كوردستان على طاولة اجتماع يبحث الانتخابات التشريعية في الإقليم، يلحقه اجتماع آخر للبرلمان لتداول الأمر ذاته.
وقالت فائق في مؤتمر صحفي إن “الانتخابات قضية وطنية تتعلق بالجهات السياسية وشعب إقليم كوردستان جميعا”، داعية إلى “ترك الخلافات السياسية جانبا وجعل الانتخابات أولية في المفاوضات والاجتماعات”.
وأضافت أنه “بحثنا خلال اجتماعنا نحن في كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني مع رئيس الاتحاد الوطني والمكتب السياسي للحزب، قضية الانتخابات والوضع في إقليم كوردستان”، محذرة من أن “الوقت ليس في مصلحة شعب كوردستان ولا في مصلحة العملية السياسية بالإقليم”.
وأكدت أنه ” توصلنا خلال الاجتماع إلى قناعة مفادها ضرورة استئناف البرلمان لجلساته حول ملف الانتخابات”، لافتة إلى ” تكليف المكتب السياسي في الاتحاد الوطني للتباحث مع المسؤولين في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حول اجتماع مؤسستي الانتخابات في الحزبين، وضرورة أزالة أي عائق يقف في طريق الطرفين حول ملف الانتخابات بالحوار والتفاهم، كي يتمكن البرلمان من استئناف عقد جلساته بعد الأول من آذار”.
في الأثناء أكد الدكتور أحمد يوسف الكاتب والمحلل السياسي أن الخلافات داخل البيت السني ليست وليدة اللحظة فهي كانت موجودة قبل إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة وإشتدت بعد إعلان نتائجها.
وقال يوسف خلال مشاركته في برنامج شؤون عراقية والذي يعرض على شاشة قناة المسرى، إن الخلافات بين القوى السنية تعود لما قبل الانتخابات المبكرة الأخيرة، حيث كانت هناك خلافات سياسية بين الاحزاب السنية، واشتدت هذه الخلافات بعد إعلان نتائج الانتخابات، حيث ترى أطراف سياسية سنية أنها ظلمت ولم تحصل على إستحقاقاتها، وكانت هناك عمليات تزويد وتلاعب بأصوات الناخبين واستخدام المال السياسي من قبل الحزب المسيطر على القرار السياسي السني.
وأضاف ، أن ما يجري الآن داخل البيت السني خلافات ليست وليدة اللحظة بل سابقة وإمتدت إلى اليوم، حيث ترى الاطراف السياسية أن (الحزب الحاكم) وهو حزب تقدم يحاول السيطرة على القرار السياسي السني والتفرد به وعدم العمل بالشراكة، وهذا سبب الصراع الحالي داخل البيت السني.
ومن المقرر أن يشهد العراق إجراء انتخابات محلية وتشريعية في آن واحد خلال العام الحالي 2023، وفقا لتعهد رئيس الحكومة الحالية، محمد شياع السوداني، في منهاجه الوزاري، وفيما تعكف القوى السياسية النافذة على إجراء تعديل في قانون الانتخابات يتلاءم وتطلعها للحفاظ على مكتسباتها وتعزيزها، برزت جملة اعتراضات على التعديلات المرتقبة، تركز على رفض آلية توزيع المقاعد وفقا لنظام «سانت ليغو» بالإضافة إلى اعتراضات أخرى ترى في العد والفرز اليدوي حلا لتجاوز المشكلات التكنولوجية وشبهات التزوير التي رافقت أغلب الانتخابات السابقة.